(3) المسألة الثالثة عشر أن الله تعالى لا يثيب أحدا إلا بعمله ولا يعاقبه إلا بذنبه
  وكذلك فلو علموا أن القطع وقع باستحقاق، نحو أن يكون حداً أو قصاصاً، فإنهم يخرجون بهذا الوجه عن كونه ظلماً.، فثبت أن حقيقة الظلم ما ذكرنا.
  فلو أوصل الله تعالى العقاب إلى من لا يستحقه؛ لكان ذلك ظلماً؛ لأن حقيقة الظلم ثابتة فيه.
  (٢) وأما الأصل الثاني: وهو أن الظلم قبيح، فقبحه معلوم ضرورة، وإنما قبح لكونه ظلماً، بدليل أن من علمه ظلماً علمه قبيحاً، ومن لم يعلمه قبيحاً لم يعلمه ظلماً.
  فثبت الأصل الأول، وهو أن المجازاة بالثواب والعقاب لمن لا يستحق ذلك، يكون قبيحاً.
  ***
  (٢) وأما الأصل الثاني: وهو أن الله تعالى لا يفعل القبيح فقد تقدم بيانه.
  ومما يدل على صحة ما ذهبنا إليه في هذه المسألة، قول الله تعالى: {الا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ٣٨ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى}[النجم: ٣٨ - ٣٩] وقوله تعالى: {فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ}[العنكبوت: ٤٠] ولا شك أن الطفل لا ذنب له، فلا يجوز تعذيبه بغير ذنب، ولا بذنب أبيه.
  وقوله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[يونس: ٤٤].
  ولا ظلم أعظم من تعذيب من لا ذنب له، فيجب نفيه عن الله تعالى، كما نفاه عن نفسه.
  ويدل على ذلك ما روي عن النبي ÷ أنه نهى في بعض الغزوات عن قتل الولدان، فقيل: يا رسول الله، أوليسوا أولاد المشركين؟ فقال ÷: «أوليس خياركم من أولاد المشركين، كل نسمة تولد على الفطرة، حتى يعرب عنها لسانها، إما شاكراً وإما كفوراً» فبين ÷ أنه لا يجوز قتل أولاد المشركين؛ لأجل شرك آبائهم، وكل ذلك يؤيد ما ذهبنا إليه.