المسألة الخامسة أن الله تعالى لا يكلف أحدا من عباده ما لا يطيقه
  يأمر المقعد بالجري مع الخيل العربية، وقبح ذلك معلوم ضرورة، ولم يقبح ذلك إلا لكونه تكليفاً لما لا يُطاق.
  بدليل أنه لو كان يمكن أو يُطاق لم يقبح، فيجب في كل ما شاركه في كونه تكليفاً لما لا يُطاق، أن يشاركه في القبح؛ لأن الاشتراك في العلة، يوجب الاشتراك في الحكم، على ما تقدم بيانه.
  ٣ - وأما الأصل الثالث: وهو أنه تعالى لا يفعل القبيح، فقد تقدم بيانه.
  · القدرة متقدمة على مقدورها: -
  ومما يدل على أن القدرة متقدمة لمقدورها قول الله تعالى حاكياً عن المنافقين: {وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[التوبة: ٤٢] فلو كانت القدرة موجبة لمقدورها، لكانوا صادقين في قولهم، لو استطعنا لخرجنا معكم؛ لأن المستطيع يكون عاجلاً للمشي لا محالة، متى كانت القدرة موجبة له، فلما كذبهم الله تعالى، دل على أنهم كانوا مستطيعين للخروج، فلم يخرجوا، وقد يستطيعون الخروج ولم يخرجوا، فثبت بذلك أنها صالحة للضدين.
  وبعد ... فلو لم تكن القدرة صالحة للضدين؛ لوجب فيمن أكل الطعام الحرام، طول عمره مع وجود الطعام الحلال، أن يكون أكله جائزاً، ومعلوم أن ذلك لا يجوز عند أهل الشريعة الإسلامية زادها الله شرفاً.
  وكان يجب أيضاً فيمن يتيمم للصلاة طول عمره، مع وجود الماء المباح، وتمكينه منه، ولا آفة به تمنعه من استعماله، أن يجزيه ذلك، ومعلوم خلاف ذلك، فثبت بهذه الجملة أن القدرة متقدمة لمقدورها، وأنها صالحة للضدين.
  ويؤيد ما ذهبنا إليه قول الله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦] وقوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا}[الطلاق: ٧] وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن: ١٦].
  وقول النبي ÷: «إذا أُمرتم بأمر فاتوا منه ما استطعتم» فصح ما ذهبنا إليه في هذه المسألة.