(2) المسألة الثانية عشر في أفعال العباد
  بذلك الفرار مما ألزمهم أهل العدل، من قبح الأمر والنهي، وإنزال الكتب، وإرسال الرسل؛ لأن أفعال العباد إذا كانت خلق الله تعالى لم يحسن إرسال الرسل وإنزال الكتب، لأنهم إن يقولوا إذا كانت أفعالنا خلق الله فينا، فلأي غرض جئتمونا؟!، وإرسالكم إلينا يكون عبثاً قبيحاً! لأن الله تعالى إن فعلها فينا حصلت، وإن لم يفعلها لم تحصل، فلا فائدة حينئذٍ إرسالكم إلينا.
  وبعد ... فإنا نقول لهم الكسب لا يخلو، إما أن يكون شيئاً خلقه الله تعالى، أو شيئاً لم يخلقه الله تعالى، فإن قالوا خلقه الله تعالى فقد لحقوا بمقالته الجهمية، ولزمهم ما ألزمناهم.
  وإن قالوا هو شيء لم يخلقه الله تعالى، فقد اثبتوا العبد فاعلاً لشيء لم يخلقه الله تعالى، وهو الذي نريد.
  الكسب في لغة العرب:
  وبعد فإن المعقول من الكسب في لغة العرب، هو إحداث الفعل من الفاعل، لجلب نفع إلى الفاعل، أو دفع ضرر عنه.
  ولهذا لم يجز أن يسمى الله تعالى مكتسباً، لما لم تجز عليه المنافع والمضار، وإذا ثبت أن العبد محدث لفعله، بطل ما تعلقوا به من الكسب، ووجب إضافته إلى العبد من كل وجه.
  وقد أضاف الله تعالى أفعال العباد إليهم في كتابه الكريم، بمعنى الفعل، والخلق، والعمل، والكسب، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ الله وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[آل عمران: ١٣٥] وقال تعالى: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ}[آل عمران: ٤٩]