الجزء الثالث
  الجن استطارته فبينما هو في يوم شديد البرد في بيت عجوز منهم إذ قال لها:
  أتأذنين لي أن آتي الأكمة فأتشرق عليها فقد أضرّبي القر، فقالت له: نعم وكانت عليه جبة له حبرة لم يترك عليه غيرها فتمشى في أغلاله وقيوده حتى صعد الأكمة ثم أقبل يضرب ببصره نحو اليمن وتغشاه عبرة فبكى ثم رفع طرفه إلى السماء وقال: اللهم ساكن السماء فخرّج لي مما أصبحت فيه، فبينما هو كذلك إذ عرض له راكب يسير فأشار إليه أن أقبل فأقبل الراكب فلما وقف عليه قال له: ما حاجتك يا هذا؟ قال: أين تريد؟ قال: أريد اليمن قال:
  ومن أنت؟ قال: أبو الطمحان القيني فاستعبر باكيا قال أبو الطمحان من أنت فإني أرى عليك سيماء الخير ولباس الملوك وأنت بدار ليس فيها ملك قال: أنا قيسبة بن كلثوم السكوني خرجت عام كذا وكذا أريد الحج فوثب عليّ هذا الحي فصنعوا بي ما ترى وكشف عن أغلاله وقيوده فاستعبر أبو الطمحان قال له قيسبة: هل لك في مائة ناقة حمراء؟ قال: ما أحوجني إلى ذلك قال: فأنخ فأناخ ثم قال له: أمعك سكين قال: نعم قال: إرفع لي عن رحلك فرفع له عن رحله حتى بدت خشبة مؤخره فكتب عليها قيسبة بالمسند وليس يكتب به غير أهل اليمن:
  بلغا كندة الملوك جميعا ... حيث سارت بالأكرمين الجمال
  أن ردوا العين بالخميس عجالا ... وأصدروا عنه والروايا ثقال
  هزئت جارتي وقالت عجيبا ... إذ رأتني في جيدي الأغلال
  إن تريني عاري العظام أسيرا ... قد براني تضعضع واختلال
  فلقد أقدم الكتيبة بالسي ... ف عليّ السلاح والسربال
  وكتب تحت الشعر إلى أخيه أن يدفع إلى أبي الطمحان مائة ناقة ثم قال له: اقري هذا قومي فإنهم سيعطونك مائة ناقة حمراء، فخرج تسير به ناقته حتى أتى حضر موت فتشاغل بما ورد له ونسي أمر قيسبة حتى فرغ من حوائجه ثم سمع نسوة من عجائز اليمن يتذاكرن قيسبة ويبكين فذكر أمره فأتي أخاه الجون بن كلثوم وهو أخوه لأبيه وأمه فقال له: يا هذا إني أدلك على قيسبة وقد جعل لي مائة من الإبل قال له: فهي لك فكشف عن الرحل فلما قرأه الجون أمر له بمائة ناقة ثم أتى قيس بن معد يكرب الكندي أبا