الجزء الثالث
  وقريبة من صحار بينها وبين مرباط، وحدّث رجل من أهل مرباط أن مرباط فيها المرسى وظفار لا مرسى بها، وقال لي إن اللبان لا يوجد في الدنيا إلا في جبال ظفار وهو غلة لسلطانها وأنه شجر ينبت في ذلك الموضع مسيرة ثلاثة أيام في مثلها وعنده بادية كبيرة نازلة ويجتنيه أهل تلك الناحية وذاك أنهم يجيئون إلى شجرته ويجرحونها بالسكين فيسيل اللبان منه إلى الأرض ويجمعونه ويحملونه إلى ظفار فيأخذ السلطان قسطه ويعطيهم قسطهم ولا يقدرون يحملونه إلى غير ظفار أبدا وإن بلغه عن أحد منهم أنه يحمله إلى بلد غيره أهلكه. انتهى ما ذكره ياقوت في مادة ظفار.
  وقد استطرد ياقوت ذكر ظفار في ترجمة صنعاء على زعمه أن ظفار هي صنعاء فقال في حكاية عن محمد بن أحمد الهمداني الفقيه ما لفظه:
  «وكان في ظفار وهي صنعاء - كذا قال - وظفار مشهورة على ساحل البحر ولعل هذه كانت تسمى بذلك قريب من القصور قصر زيدان(١) وهو قصر المملكة وقصر شوحطان وقصر كوكبان وهو جبل قريب منها وقد ذكر في موضعه قال: وكان لمدينة صنعاء تسعة أبواب وكان لا يدخلها غريب إلا بإذنه وكانوا يجدون في كتبهم أنها تخرب من رجل يدخل من باب لها يسمى باب حقل فكانت عليه أجراس متى حركت سمع أصوات الأجراس من الأماكن البعيدة وكانت مرتبة صاحب الملك على ميل من بابها وكان من دونه إلى الباب حاجبان بين كل واحد إلى صاحبه رمية سهم وكانت له سلسلة من ذهب من عند الحاجب إلى باب المدينة ممدودة وفيها أجراس متى قدم على الملك شريف أو رسول أو بريد من بعض عماله حركت السلسلة فيعلم الملك بذلك فيرى رأيه. انتهى ما ذكره ياقوت إستطرادا عند الكلام على صنعاء.
  قلت: هذه الصفة التي ذكرها إلى ظفار أقرب، فباب الحقل من أعمال ظفار والمراد بالحقل حقل قتاب واللّه أعلم، وقد تقدم ذكر قصر زيدان فإنه من قصور ظفار، وفي أخبار حمير ما يؤيد أن الأبواب كانت بظفار وأخبار ظفار كثيرة وعجائبها أكثر.
(١) هو ريدان بالراء المهملة كما هو في الكتابات الحميرية.