عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الأول: علم المعاني

صفحة 144 - الجزء 1

  وقولنا: بتأوّل: يخرج ما مرّ من قول الجاهل؛ ولهذا لم يحمل نحو قوله [من المتقارب]:

  أشاب الصّغير وأفنى الكبي ... ر كرّ الغداة ومرّ العشى


  مثل: عيشة راضية، أو للمفعول مثل: سيل مفعم؛ على أنه قيل في عيشة راضية غير ذلك، فقال البصريون: هو على إرادة النسب، أي عيشة ذات رضا، وفيها ضمير الفاعل، كما هو في قولك: رجل هندى. وقال الكوفيون: أصله مرضية، فأقيم راضية، مقام مرضية. قال الفارسي: فعلى هذا ليس الضمير المستتر فاعلا، بل هو قائم مقامه، فعلى الوجهين هو مجاز إفرادى لا عقلي، وقيل: الأصل راض صاحبها، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، فارتفع مستترا، وأنث لإسناده لمؤنث، وقيل: راضية معناه كاملة. وقوله: وسيل مفعم الكلام فيه كعيشة راضية فتطرقه هذه الأقوال وكذلك الجميع وقوله: شعر شاعر تقدم الكلام عليه.

  (تنبيه): عرف مما سبق أن الإسناد إلى الفاعل والمفعول أقسام أربعة:

  أحدها - أن يسند إلى الفاعل والفعل مبنى له مثل: (قام زيد).

  الثاني - أن يسند إلى الفاعل والفعل مبنى للمفعول مثل: (رضى صاحب العيشة).

  الثالث - أن يسند إلى المفعول والفعل مبنى للفاعل، مثل: (عيشة راضية).

  الرابع - أن يسند إلى المفعول وهو مبنى له مثل: (ضرب زيد).

  (تنبيه): المراد بقولنا الإسناد إلى المفعول وما معه هو الذي كان مفعولا، وكذلك في الجميع، ولا نعنى أنا نسند إليه حال كونه مفعولا، فلا نقول: إن راضية بمعنى مرضية، والضمير للفاعل، ولو قلنا ذلك لتهافت، بل الصيغة فاعل لفظا صناعيا، ومعنى مجازيا.

  (تنبيه): لك أن تقول: الملابسة لا تختص بالسببية، بل جميع العلاقات المذكورات في المجاز اللفظي ينبغي أن تأتى في المجاز الإسنادى.

  قوله: (وقولنا بتأول يخرج ما مر من قول الجاهل) يعنى قوله: أنبت الربيع البقل، ويعنى الجاهل بالله تعالى، وهو الكافر.

  قوله: ولهذا لم يحمل على المجاز قول الصلتان العبدي، وقيل السعدي:

  أشاب الصّغير وأفنى الكبي ... ر كرّ الغداة ومرّ العشى⁣(⁣١)


(١) الأبيات من المتقارب، وهى للصلتان العبدي: قثم بن ضبية العبدي، في شرح الحماسة للمرزوقى ص ١٢٠٩، والمعاهد ١/ ٧١، ولطائف التبيان للطيبي ص ١١٧ بتحقيقى، والتبيان للطيبي ١/ ٣٢٠ بتحقيقى، ونهاية الإيجاز -