الفن الأول: علم المعاني
  ٣ - أو اختبار تنبّه السامع عند القرينة.
  ٤ - أو مقدار تنبّهه.
  ٥ - أو إيهام صونه عن لسانك.
  ٦ - أو عكسه.
  إلا أن الدلالة المعنوية أقوى. وقال الخطيبي: لأن اللفظ لا يفيد إلا الظن، والدلالة العقلية تفيد القطع، قلت: فيه نظر؛ لأنه لا يعنى بالعقل إلا دلالة القرائن التي لا تفيد بمجردها في الغالب إلا الظن، وفى عبارته أيضا أن العقل دليل على
  الترك، واللفظ دليل على الذكر، فهي عبارة قلقة، وصوابها العقل دليل عند الترك، واللفظ دليل عند الذكر.
  قال المصنف: كقوله:
  قال لي كيف أنت قلت عليل ... سهر دائم وحزن طويل(١)
  تقديره أنا عليل، وهذا يصلح أن يكون مثالا لهذا، وأن يكون مثالا للذي قبله، وأن يكون مثالا للحذف؛ لضيق المقام(٢)، كما سيأتي. والمعنى الأول هو لما يلزم عليه، من عدم الفائدة في الذكر. والمعنى الثاني فيه نقص الفائدة وضعفها، فالأول أعم من الثاني؛ لأن في الثاني تحصيل الصيانة عن العبث، فإن سلوك أضعف الدليلين عبث، وعبارة المصنف التخييل، وينبغي أن يقول: للعدول؛ فإنه وقع حقيقة لا تخييلا. هذا على ما اقتضاه كلامهم وقد تبعناهم فيه، ولك أن تقول: ليست القرائن أقوى من اللفظ، بل مراد المصنف أن المتكلم إذا حذف فقد خيل للسامع أن المسند إليه مدلول عليه بالعقل، فلا يحتاج إلى ذكر، وعلى هذا تعين ذكر التخييل.
  الثالث: أن يقصد بحذفه اختبار تنبه السامع عند القرينة أله تنبه أم لا؟ وإنما قلنا:
  عند القرينة؛ لأن الفهم عند عدم القرينة لا سبيل إليه، ولا يجوز الحذف حينئذ أو يعلم أن له تنبها ولكن يريد أن يختبر مقدار تنبهه، وهل يكتفى بقرينة بعيدة، أو يحتاج إلى قرينة قريبة، أو لقرائن؟
  الرابع: إيهام صونه عن لسانك لتعظيمه، أو صون لسانك عنه وتحقيره. وقول المصنف: إيهام كقوله في السابق: تخييل، ولا يأتي فيه ذلك الجواب، ولو قال:
(١) البيت من الخفيف، وهو بلا نسبة في التبيان للطيبي ١/ ١٤٦، ودلائل الإعجاز ص: ٢٣٨، وقال الشيخ محمود شاكر: مشهور غير منسوب، وفى الإشارات والتنبيهات ص: ٣٤، والمفتاح ص: ٩٤، وشرح المرشدى على عقود الجمان ١/ ٥٢، والإيضاح ص ٣٨.
(٢) في الحذف نكتة أخرى، وهى رعاية حال المتكلم؛ فالعليل يضيق صدره عن التفصيل والتطويل، ولعلّ هذا هو المراد بقولهم: إن الحذف هنا لضيق المقام.