[الجزء الأول] أحوال المسند إليه
  .....
  وهو الذي يسميه الكوفيون: عمادا، وبعضهم يسميه: دعامة، والبصريون: فصلا، والمنطقيون: رابطة، وله أحكام يطول ذكرها.
  وفائدته كما ذكره المصنف إفادة اختصاص المسند إليه بالمسند، فإذا قلت: زيد هو القائم، معناه أنه لا قائم غيره، وقد صرح به الزمخشري، عند قوله تعالى: {وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(١) واستدل له السهيلي، بأنه أتى به في كل موضع ادعى فيه نسبة ذلك المعنى إلى غير الله تعالى، ولم يؤت به حيث لم يدع، وذلك في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى}(٢) إلى آخر الآية، وذكر نحوه التنوخي، غير أنه جعل الضمير للتأكيد، ولم يذكر الحصر. وفيما قالاه نظر؛ لقوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا}(٣) مع قوله: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى}(٤) فالإحياء خلق، وإن كان الخلق لم ينسبه أحد لغير الله تعالى فقد أتى فيه بضمير الفصل في قوله سبحانه: {وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا} على خلاف ما زعماه، وإن كان الإماتة والإحياء قد نسبا لغير الله تعالى، كما تضمنه قول النمرود: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ}(٥) فقوله تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ} لم يؤكده بالفصل مع أنه منه. ثم ما قالاه ليس بصحيح؛ لأن هذا الضمير، لا يصح إعرابه فصلا؛ لأن الفصل لا يقع قبل خبر هو فعل ماض، وقد توجد دلالة الفصل على الحصر من مواضع من القرآن، منها قوله تعالى: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ}(٦) لأنه لو لم يكن للحصر، لما حسن؛ لأن الله لم يزل رقيبا عليهم، وإنما الذي حصل بتوفيه أنه لم يبق لهم رقيب غير
  الله تعالى، وينبغي لهذا أن يتعين إعرابه فصلا. ومنها قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ}(٧) فإنه ذكر لتبيين عدم الاستواء، وذلك لا يحسن، إلا بأن يكون الضمير للاختصاص، وبهذا تعين إعراب هم هنا فصلا، لا تأكيدا، ولا مبتدأ ثانيا إلا أن يقال في هذا كله: إن الحصر يحصل من تعريف الخبر، ومثل في الإيضاح بقولك: زيد هو يقوم. وليس بصحيح؛ لأنه ليس بفصل؛ لأن بعده فعلا مضارعا. وأما المصنف والبيانيون فاتبعوا فيه الجرجاني، فإنه ذكر ذلك في شرح
(١) سورة البقرة: ٥.
(٢) سورة النجم: ٤٣.
(٣) سورة النجم: ٤٤.
(٤) سورة النجم: ٤٥.
(٥) سورة البقرة: ٢٥٨.
(٦) سورة المائدة: ١١٧.
(٧) سورة الحشر: ٢٠.