الفن الأول: علم المعاني
  ... ... ... .....
  والثانية: أن يراد به تخصيص واحد من الجنس، بأن يكون عرف أنه من جنس الرجال، ولا يدرى وحدته، فتقول: رجل جاءني، أي: لا رجلان، ثم إذا وقع المسند في هذا القسم منفيا، كان كوقوعه منفيا في القسم قبله.
  القسم الثاني من القسمة الأولى: أن يكون المسند إليه قد ولى حرف النفي، نحو: ما أنا قلت هذا، وهو القسم الأول في كلام المصنف، أي: لم أقله مع أنه مقول، فأفاد نفى الفعل عنك، وثبوته لغيرك، فلا تقول ذلك إلا في شئ ثبت أنه مقول، وتريد نفى كونك قائلا له، ومنه في اسم الفاعل قوله تعالى: {وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ}(١) وفى الفعل قول النبي ﷺ: «ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم»(٢) وقال المتنبي:
  وما أنا أسقمت جسمي به ... ولا أنا أضرمت في القلب نارا(٣)
  المعنى: أنه ليس الجالب للسقم؛ بل غيره جلبه، ولذلك لا يصح: ما أنا فعلت، ولا أحد غيرى، لمناقضة منطوق الثاني مفهوم الأول. ولا يقال: ما أنا رأيت أحدا من الناس ولا: ما أنا ضربت إلا زيدا، بل يقال: ما رأيت أنا أحدا من الناس، وما ضربت أنا إلا زيدا؛ لأن المنفى في الأول الرؤية الواقعة على كل واحد، وفى الثاني الضرب الواقع على سوى زيد، وقد سبق أن ما يفيد التقديم ثبوته لغير المذكور، وهو ما نفى عن المذكور، فيكون الأول مقتضيا لأن إنسانا غير المتكلم قد رأى كل الناس، والثاني مقتضيا لأن إنسانا غير المتكلم ضرب غير زيد، وكلاهما محال.
  (قلت): وفيه نظر؛ لأن ما اقتضاه: ما أنا ضربت أحدا من عدم ضربه العام واضح؛ لأن أحد نكرة في سياق النفي، لكن اقتضاؤه؛ لأن غيره ضرب أحدا إثبات، فالنكرة
(١) سورة هود: ٩١.
(٢) أخرجه البخاري في «الأيمان والنذور»، باب: لا تحلفوا بآبائكم، (١١/ ٥٣٩)، (ح ٦٦٤٩)، وفى مواضع أخر من صحيحه، ومسلم في «الإيمان»، (ح ١٦٤٩)، وهو حديث قدوم الأشعريين وأهل اليمن على النبي ﷺ.
(٣) البيت لأبى الطيب المتنبي في شرح التبيان للعكبرى ١/ ٣٢٩، ودلائل الإعجاز ص ١٢٥، والتبيان للطيبي ١/ ٢٠٠، من قصيدة يمدح بها سيف الدولة الحمداني، ومطلعها:
أرى ذلك القرب صار ازورارا ... وصار طويل السّلام اختصارا