الفن الأول: علم المعاني
  .. ... ... ...
  هذا الكلام في شئ من كتب الحديث لا مرفوعا، ولا موقوفا، لا عن النبي ولا عن عمر، مع شدة الفحص عنه، ووجه السؤال أن صهيبا لم يعص الله تعالى، فيلزم أن لا يكون جواب (لو) ممتنعا، وجوابه بما تقدم في: {وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ}(١): من أن مفهوم الموافقة عارض مفهوم المخالفة، وبأن المنفى يكون معصية لا تنشأ عن خوف المعنى، لو لم يخف الله لما عصاه معصية ناشئة عن عدم الخوف؛ فامتنع ما دل عليه مفهوم هذا الكلام من إثبات المعصية الناشئة لا عن عدم الخوف كما سبق.
  ومنها: قول على - كرم الله وجهه -: (لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا) وجوابه ما سبق، أي: لرأيت ما لم أره، ولم أزدد يقينا، وامتناع ذلك لعدم رؤية ما خلف الغطاء.
  ومنها: قوله ﷺ: «لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا»(٢) فيلزم أن يكونوا خرجوا؛ لأنهم ما دخلوا، وجوابه بما سبق؛ لأنه امتنع مجموع الدخول وعدم الخروج لعدم الدخول. وهذه المواضع كلها وقع الجواب
  فيها منفيا وما بعدها وقع الجواب فيها مثبتا.
  ومنها: قوله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}(٣) واردة على العبارات، أما على عبارة سيبويه فلأنها تقتضى أنه لو حصل الإسماع لحصل التولي، فيلزم أن لا يكون التولي حاصلا الآن، والغرض أنه حاصل.
  وأما على العبارة المشهورة فلأنها تقتضى امتناع التولي وهو حاصل؛ لأن صدرها يقتضى أنه لم يعلم فيهم خيرا وآخرها يقتضى عدم التولي المستلزم؛ لأنه علم فيهم خيرا، ولأنه يصير التقدير: لو علم فيهم خيرا لتولوا، وليس المراد؛ فإن علم الخير فيهم مناسب لإقبالهم لا لتوليهم، ولا يصلح الجواب السابق بأنهم إذ تولوا بتقدير
(١) سورة لقمان: ٢٧.
(٢) الحديث أخرجه البخاري في «المغازي»، باب: سرية عبد الله بن حذافة السهمي ... (٧/ ٦٥٥)، (ح ٤٣٤٠) وفى غير موضع، ومسلم في «الإمارة»، باب: وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية، (ح ١٨٤٠). من حديث على.
(٣) سورة الأنفال: ٢٣.