باب القصر
  بالنصب، معناه: ما حرّم عليكم إلا الميتة. وهو المطابق لقراءة الرفع(١)؛ لما مر(٢)،
  بالنصب على أن معناه: ما حرم عليكم إلا الميتة، لأنه المطابق في المعنى لقراءة الرفع، فإنها للقصر، فكذلك قراءة النصب، والأصل استواء معنى القراءتين، واعترض على هذا بأنا نمنع حصول القصر في قراءة الرفع بناء على أن نحو: العالم زيد، لا يفيد الحصر، وقد تقدم في باب المسند نحو: العالم زيد، وزيد العالم عند السكاكى يفيد أن الحصر في بعض المواضع، ثم فيه نظر؛ لأن الحصر ليس مستفادا هنا من التقديم بل من عموم الموصول كقولك: كل محرم الميتة، لا يقال: لو كانت للحصر لزم أن لا يكون غير المذكورات محرما؛ لأن المعنى تحريم الأكل، فلا يدخل غيره. ومن أين لنا أن غير هذه المذكورات في الآية من المأكولات كان محرما ذلك الوقت. ومنها أن (إن) للإثبات و (ما) للنفي، فلا بد أن يكون للقصر ليحصل بالقصر الجمع بين النفي والإثبات، ورد عليه بأن (ما) كافة لا نافية، قال الشيخ أبو حيان: والذي قال ذلك لم يشم رائحة النحو.
  قلت: نقل القرافى أن الفارسي قال في الشيرازيات: إن ما في إنما نافية لكني رأيت في الشيرازيات ما لعله أخذه منه، وهو أنه قال - بعد أن ذكر أن (إنما) للحصر - أن الحصر أيضا في: شر أهرّ ذا ناب، وشئ جاء بك، ثم قال: والأول أسهل من هذا؛ لأن معه حرفا قد دل عندهم على النفي، فصار حذف حرف النفي فيه أسهل من هذا؛ لقيام حرف آخر معه مقامه، وليس في المثالين الأولين شئ من ذلك. انتهى. وليس صريحا في أنها باقية في النفي؛ لأن قوله: لأن معه حرفا قد دل على النفي، يريد حرفا يدل على النفي والإثبات وهو إنما، وإنما لم يدل على النفي والإثبات؛ لأن الإثبات مستفاد من اللفظ مجردا عن إنما، ولو أراد بالحرف الدال على النفي (ما) من (إنما) لما قال: فصار حذف حرف النفي فيه أسهل؛ إذ لو كانت باقية على النفي لما كان حرف النفي معها محذوفا، والحق في ذلك أن الإمام لم يرد إلا أن ما أصلها إذا لم تكن شيئا من الأقسام المعروفة النفي، وإن وضعها الإثبات، والغالب أن الحرفين إذا ركبا وصارا لمعنى آخر يلاحظ في المعنى التركيبي معنى كل واحد
(١) أي: رفع الميتة.
(٢) في تعريف المسند من أن المنطلق زيد وزيد المنطلق يقيد قصر الانطلاق على زيد.