عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

أنواع الإنشاء

صفحة 452 - الجزء 1

  والتعجّب؛ نحو: {ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ}⁣(⁣١)، والتنبيه على الضلال؛ نحو: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ}⁣(⁣٢)، والوعيد؛ كقولك لمن يسئ الأدب: ألم أؤدّب فلانا؟ إذا علم المخاطب ذلك، والتقرير بإيلاء المقرّر به الهمزة؛ كما مر⁣(⁣٣)،


  يشارك الاستفهام في أن التعجب مما خفى سببه والاستفهام يكون عما خفى نحو: {ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ} وتقول: أي رجل هو، للتعجب، ومن ذلك التنبيه على ضلال المخاطب نحو: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} وجعله السكاكى من استفهام التوبيخ والإنكار، ومنه قول أبى عمرو بن العلاء للأصمعى: أين عزب عنك عقلك؟ ومن ذلك الوعيد كقولك لمن يسئ الأدب: ألم أؤدب فلانا؟ إذا كان عالما بذلك، ومن ذلك التقرير، وسيأتي تحرير حقيقته، وقد جعل منه السكاكى على ما يوجد في بعض نسخ المفتاح قوله تعالى: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي}⁣(⁣٤) وهو مشكل؛ لأن ذلك لم يقع منه، وسيأتي حل هذا الإشكال في آخر الكلام - إن شاء الله تعالى -.

  ثم يكون المقرر به تاليا للهمزة، كما مر من أن المستفهم عنه ما يلي الهمزة، وقد تقدم ما عليه من الأسئلة، فإن أردت التقرير بالجملة، قلت: أفعلت؟ وإن أردت التقرير بالمفعول قلت: أزيدا ضربت؟ وإن أردت التقرير بالفاعل قلت: أأنت فعلت؟ فإن قلت:

  لو كان الاستفهام فيه عن الفاعل لاستدعى العلم بالنسبة في قوله تعالى: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ وهو القول والقول مفعوله اتخذوني، فهو قول لا يمكن صدوره من عيسى ، وهو لم يقله، فلم يقع التصديق بأصل النسبة فلا تكون صورة الاستفهام هنا عن الفاعل، وإنما قلنا: صورة الاستفهام، لأنه لا يخفى أن الاستفهام هنا ليس على حقيقته، قلت:

  قد قيل: اتخذوا عيسى إلها، وهذا القول لو صدر عنه لكان التعبير عنه باتخذونى، فعبر به في الاستفهام، فأصل النسبة معلوم بهذا الاعتبار.

  قال في الإيضاح: وذهب الشيخ عبد القاهر والسكاكى وجماعة في قوله تعالى: {قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ}⁣(⁣٥) إنه من هذا الباب لأنهم لم يستفهموا هل وقع كسر الأصنام؟ بل أرادوا أن يقر بكونه قد فعله، فإنما سألوا عن الفاعل؛ ولذلك أشاروا إلى الفعل بقولهم: أَأَنْتَ فَعَلْتَ {هذا بِآلِهَتِنا} ولذلك: {قالَ بَلْ فَعَلَهُ


(١) سورة النمل: ٢٠.

(٢) سورة التكوير: ٢٦.

(٣) في حقيقة الاستفهام من إيلاء المسؤول عنه الهمزة.

(٤) سورة المائدة: ١١٦.

(٥) سورة الأنبياء: ٦٢.