الفن الأول: علم المعاني
  .. ... .....
  وقد تقدم أن «هل» تستعمل في التمني فهذا أيضا مما نحن فيه، وزاد غيره التهديد، ومثله: بألم أؤدب فلانا؟ وقد تقدم التمثيل به للوعيد. ولا شك أن معناهما متقارب، وزيد أيضا العرض نحو: ألا تنزل فتصيب خيرا؟ والتحضيض كقولك: لمن بعثته لمهم فلم يذهب: أما ذهبت؟ والزجر، كقولك لمن يؤذى أباه: أتفعل هذا؟ ذكر الثلاثة في المصباح، وقد تأتى الهمزة للأمر كما قيل في قوله سبحانه وتعالى: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ}(١) معناه أسلموا.
  وتأتى الهمزة للتسوية المصرح بها، كقوله تعالى {سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ}(٢) وغيرها، كقوله سبحانه وتعالى حكاية: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ}(٣).
  وقال أبو سعيد السيرافى في: علمت أزيد في الدار أم عمرو؟ هذا ليس باستفهام، والمتكلم به بمنزلة المسؤول عنه، والمخاطب بمنزلة السائل. وقد خرجت الهمزة أيضا عن معناها في أرأيتك موافقة أخبرني قال في المصباح: وقد تأتى للمبالغة في المدح كقوله:
  بدا فراغ فؤادي حسن صورته ... فقلت هل ملك ذا الشّخص أم ملك
  أو في الذم كقول زهير:
  فما أدرى وسوف أخال أدرى ... أقوم آل حصن أم نساء(٤)
  أو التدله في الحب كقوله:
  بالله يا ظبيات القاع قلن لنا ... ليلاى منكن أم ليلى من البشر(٥)
  وعليه اعتراض سيأتي في البديع، والتحقيق في أكثر هذه الأمور رجوعها إلى الاستفهام الحقيقي.
  (تنبيه): هذا النوع من خروج الاستفهام عن حقيقة يسمى الإعنات، وسماه ابن المعتز تجاهل العارف، وهل تقول: إن معنى الاستفهام فيه موجود، وانضم إليه معنى
(١) سورة آل عمران: ٢٠.
(٢) سورة البقرة: ٦.
(٣) سورة الأنبياء: ١١١.
(٤) البيت من الوافر: لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص: ٧٣، والاشتقاق ص: ٤٦، ومغنى اللبيب ص: ٤١، ١٣٩.
(٥) البيت من البسيط، للمجنون في ديوانه ص: ١٣٠، للعرجى في شرح التصريح (٢/ ٢٩٨)، والمقاصد النحوية (١/ ٤١٦).