مقدمة في أهمية علم البلاغة
  ... ... ... ... ... ... .....
  نحو كلامه الأول، وقال: الذي تقتضيه صناعة العربية التعليق بالفعل الصريح، ثم ذكر الاحتمال الآخر، وذكر له مأخذين:
  أحدهما: ما ذكره ابن الحاجب من تعلقه بفعل دل عليه حرف النفي، قال: كما يفعله بعض النحاة، والزمخشري في بعض المواضع.
  والثاني: أنه قد يؤخذ الفعل بقيد كونه منتفيا.
  قلت: والذي تلخص في ذلك على التحقيق، أنه إذا ورد شئ من تعليقات الفعل اللفظية أو المعنوية بعد النفي، فالأصل تعلقه بالفعل المنفى، لا بالنفي إلا أن يقوم دليل على تعلقه بالنفي، فيتعلق به على أحد المأخذين السابقين، والذي يترجح المأخذ الثاني الذي ذكره الوالد، لا ما ذكره ابن الحاجب؛ لأن عمل معاني الحروف لا يساعد عليه أكثر النحاة، ثم ليتنبه إلى أن هذين الاحتمالين يأتيان في كثير من تعلقات الفعل، فيأتي ذلك في المفعول له تقول: ما ضربته إهانة، إذا أردت التعليق بالفعل الصريح، وتقييد النفي، وتقول: ما ضربته إكراما، إذا أردت تعليل انتفاء الضرب مطلقا. وتقول:
  ما ضربته لأكرمه، وما ضربته لأهينه، وتقول في الحال: ما ضربته مصلوبا، إذا أردت وقوع الضرب في غير حال الصلب، وما ضربته مكرها إذا أردت ترك الضرب، وتقول في الغاية: لا أضربه حتى يموت، إذا أردت أنك تضربه ضربا لا يموت منه. فالضرب حتى يموت منتف، لا مطلق الضرب، وتقول: لا أضربه حتى يسئ فانتفاء الضرب مطلقا قبل الإساءة حاصل وكذلك إلى أن يموت وإلى أن يسئ وتقول في الاستثناء: لا يقوم القوم إلا زيدا،
  والمعنى: أن قيام القوم غير زيد منتف، إما بقيام الجمع أو بقيامه، ولا يقوم القوم إلا زيدا بمعنى قيامه، أي انتفى قيام غير زيد، وتقول: ما ضربته حقا، إذا أردت تأكيد عدم الضرب، وما ضربته حقا إذا أردت نفى الضرب المؤكد، وتقول في الظرف: لا أحب زيدا اليوم، والمعنى: أن انتفاء المحبة المستمرة وقع اليوم، ولا أحبه اليوم، بمعنى أن محبتك له في هذا اليوم هي المنتفية وتقول في المفعول معه: ما سرت والنيل إذا أردت انتفاء مصاحبة النيل. وتقول: ما سرت والكسل، إذا أردت انتفاء السير مطلقا بمصاحبة الكسل. وتقول في الجار والمجرور: ما ضربت زيدا عن بغضه أو كراهته، إذا أردت التعليق بالصريح، وإن ترده قلت: ما ضربت زيدا عن محبته، أو من محبته. وقد ظفرت من القرآن العظيم بأمثلة لذلك، مع بعضها ما تصرفه