مقدمة في أهمية علم البلاغة
  
  قطعا إلى الفعل، ومع بعضها ما تصرفه إلى الانتفاء. قال تعالى: {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ}(١) فاليوم ظرف للظلم، وليس المعنى: أن ذلك اليوم وقع فيه الحكم بانتفاء كل ظلم ذلك اليوم وغيره، وعكسه قوله تعالى: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ}(٢) ليس معناه نفى تثريب ذلك اليوم فقط، بل إنه وقع في ذلك اليوم انتفاء كل تثريب، وقال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ}(٣) فلا شك أن الحل منتف من الطلاق إلى النكاح والمعنى أن انتفاء الحل إلى النكاح حاصل وليس المراد انتفاء الحل المغيا(٤) فيلزم الحل بعد الطلاق، لا إلى تلك الغاية وكذلك: {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}(٥) وكذلك: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}(٦) وكذلك: {حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ}(٧)، {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}(٨)، «نهى عن الصلاة بعد الصبح، حتى تطلع الشمس»(٩)، وقد كثر في حتى دون غيرها.
  وكذلك قوله تعالى: {وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً}(١٠) أي انتفى قتله يقينا. هذا أحسن ما قيل فيه، وأما الوارد على الأصل فكثير قال تعالى: {وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}(١١) (فعن أمرى) يتعلق بفعلته، لا بالانتفاء؛ لأن الواقع أنه فعله، وقال تعالى: {لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً}(١٢)، وقال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}(١٣)، وقال تعالى: {وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ}(١٤) فإن قلت: تجويز الأمرين يوقع في إلباس؟ قلت: سبق أن الأصل أحدهما فلا إلباس، على أنه يجوز أن تقول: زيد لا يقوم ويقعد مريدا العطف على يقوم تارة، وعلى لا يقوم أخرى، وهما معنيان متنافيان.
  قال تعالى: {يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ}(١٥) بعطف نكون على
(١) سورة غافر: ١٧.
(٢) سورة يوسف: ٩٢.
(٣) سورة البقرة: ٢٣٠.
(٤) المغيا: أي ما ضربت له غاية.
(٥) سورة آل عمران: ١٧٩.
(٦) سورة البقرة: ٢٢٢.
(٧) سورة النساء: ٤٣.
(٨) سورة البقرة: ١٩٦.
(٩) أخرجاه في الصحيحين من حديث عمر ¥.
(١٠) سورة النساء: ١٥٧.
(١١) سورة الكهف: ٨٢.
(١٢) سورة البقرة: ٢٧٣.
(١٣) سورة الأنفال: ٢٥.
(١٤) سورة الأنفال: ٢٠.
(١٥) سورة الأنعام: ٢٧.