عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

مقدمة في أهمية علم البلاغة

صفحة 52 - الجزء 1

  


  قطعا إلى الفعل، ومع بعضها ما تصرفه إلى الانتفاء. قال تعالى: {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ}⁣(⁣١) فاليوم ظرف للظلم، وليس المعنى: أن ذلك اليوم وقع فيه الحكم بانتفاء كل ظلم ذلك اليوم وغيره، وعكسه قوله تعالى: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ}⁣(⁣٢) ليس معناه نفى تثريب ذلك اليوم فقط، بل إنه وقع في ذلك اليوم انتفاء كل تثريب، وقال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ}⁣(⁣٣) فلا شك أن الحل منتف من الطلاق إلى النكاح والمعنى أن انتفاء الحل إلى النكاح حاصل وليس المراد انتفاء الحل المغيا⁣(⁣٤) فيلزم الحل بعد الطلاق، لا إلى تلك الغاية وكذلك: {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}⁣(⁣٥) وكذلك: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}⁣(⁣٦) وكذلك: {حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ}⁣(⁣٧)، {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}⁣(⁣٨)، «نهى عن الصلاة بعد الصبح، حتى تطلع الشمس»⁣(⁣٩)، وقد كثر في حتى دون غيرها.

  وكذلك قوله تعالى: {وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً}⁣(⁣١٠) أي انتفى قتله يقينا. هذا أحسن ما قيل فيه، وأما الوارد على الأصل فكثير قال تعالى: {وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}⁣(⁣١١) (فعن أمرى) يتعلق بفعلته، لا بالانتفاء؛ لأن الواقع أنه فعله، وقال تعالى: {لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً}⁣(⁣١٢)، وقال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}⁣(⁣١٣)، وقال تعالى: {وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ}⁣(⁣١٤) فإن قلت: تجويز الأمرين يوقع في إلباس؟ قلت: سبق أن الأصل أحدهما فلا إلباس، على أنه يجوز أن تقول: زيد لا يقوم ويقعد مريدا العطف على يقوم تارة، وعلى لا يقوم أخرى، وهما معنيان متنافيان.

  قال تعالى: {يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ}⁣(⁣١٥) بعطف نكون على


(١) سورة غافر: ١٧.

(٢) سورة يوسف: ٩٢.

(٣) سورة البقرة: ٢٣٠.

(٤) المغيا: أي ما ضربت له غاية.

(٥) سورة آل عمران: ١٧٩.

(٦) سورة البقرة: ٢٢٢.

(٧) سورة النساء: ٤٣.

(٨) سورة البقرة: ١٩٦.

(٩) أخرجاه في الصحيحين من حديث عمر ¥.

(١٠) سورة النساء: ١٥٧.

(١١) سورة الكهف: ٨٢.

(١٢) سورة البقرة: ٢٧٣.

(١٣) سورة الأنفال: ٢٥.

(١٤) سورة الأنفال: ٢٠.

(١٥) سورة الأنعام: ٢٧.