عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الأول: علم المعاني

صفحة 516 - الجزء 1

  ... ... ... .....


  لا وأيدك الله فوصلت، وإن كان بينهما كمال الانقطاع؛ لأن الأولى المقدرة خبرية والثانية إنشائية؛ لأنه لو لم يوصل توهم أن «لا» داخلة على جملة «أيدك الله» فتكون دعاء عليه، وحكى صاحب المغرب عن أبي بكر ¥، أنه مر برجل يقال له: أبو اللعانة في يده ثوب فقال له الصّدّيق: أتبيع هذا الثوب؟ فقال: لا رحمك الله، فقال له الصديق: قد قوّمت ألسنتكم لو تستقيمون لا تقل هكذا، قل: عافاك الله لا، وحكاه الزمخشري في ربيع الأبرار، فقال: إن الصديق قال له: قل لا، ويرحمك الله، ولك أن تقول: الإيهام كما يدفعه الفصل بين الجملتين اللتين بينهما كمال الانقطاع يدفعه وإن كان بينهما كمال الاتصال، وكذلك غيره من الأقسام السابقة واللاحقة، فليعتبره الناظر، والإيهام مشروط بأن لا يعارضه إيهام آخر - كما سبق - على أن عندي في ذكر هذا القسم في باب الوصل إشكالا فإن هذه الواو إذا جاءت لدفع الوهم، فالظاهر أنها زائدة وليست عاطفة؛ بل زيدت لدفع توهم النفي لما بعدها فهي في الحقيقة دخلت زائدة لتأكيد عودها لما قبلها، وذلك شأن الزائد يؤتى به للتأكيد، والتأكيد أكثر ما يأتي لدفع إيهام غير المراد وقد جوز الكوفيون زيادتها وتبعهم ابن مالك وجوزه الأخفش في بعض المواضع وجعلوا منه قوله تعالى: {حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها}⁣(⁣١) وقيل: المزيد الواو في: وقال لهم خزنتها وأنشدوا عليه:

  فما بال من أسعى لأجبر عظمه ... حفاظا وينوى من سفاهته كسرى⁣(⁣٢)

  وقوله:

  ولقد رمقتك في المجالس كلّها ... فإذا وأنت تعين من ينعينى

  وإذا لم يجز زيادة الواو فالظاهر أن المعطوف محذوف، التقدير: لا، وأقول: أكرمك الله وعلى التقديرين لا يعد ذلك مما نحن فيه إنما نتكلم في الوصل بحرف عاطف؛ حذرا


(١) سورة الزمر: ٧٣.

(٢) البيت من الطويل، وهو لعامر بن مجنون في حماسة البحتري ص ٧٥، ولابن الذئبة الثقفي في سمط اللآلي ص ٦٣، وشرح شواهد المغنى ٢/ ٧٨١، ومجالس ثعلب ١/ ١٧٣، ولكنانة بن عبد الثقفي أو للحارث بن وعلة في الحماسة الشجرية ١/ ٢٦٤، وللأجرد في الشعر والشعراء ٢/ ٧٣٨، وبلا نسبة في مغنى اللبيب.