عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

أنواع الإنشاء

صفحة 519 - الجزء 1

  ... ... ... .....


  بورك، وقيل له: ألق. (قلت): هذا كلام عجيب؛ لأنه إن أراد تقدير قول قيل: ألق لفظا كانت ألق إنشائية قطعا لفظا ومعنى، كقولك: قال زيد: قم، هي إنشائية وإن حكيت بالقول لأن العبرة بالمحكى كما قالوا في:

  وقال رائدهم أرسوا نزاولها⁣(⁣١)

  إذ جملة قيل معطوفة على نودي، وهما خبريتان قطعا، وإن أراد تقدير قيل من جهة المعنى وكانت الواو في قوله تعالى محكية بأن يكون قيل له: الجملتان بالوصل، فالأولى خبرية لفظا ومعنى، وذلك لا يمكن لأن بينهما حينئذ كمال الانفصال، وإن كانت الواو غير محكية فلا عطف حينئذ والجملتان متفاصلتان، والثانية إنشاء لفظا ومعنى، والذي يظهر أن الواو ليست محكية والتقدير من جهة المعنى وقيل له: ألق، ويشهد له أن جملة ألق في الكلام المحكى مستأنفة بدليل قوله تعالى في الآية الأخرى: {وَأَنْ أَلْقِ}⁣(⁣٢) وهذا هو الذي دعا الزمخشري إلى قوله: أن ألق معطوف على بورك، والمعنى وقيل له: ألق، واعترض عليه بأن تقدير وقيل له يمنع العطف على بورك، وجوابه أن الزمخشري إنما أراد تقدير المعنى، ألا تراه قال: المعنى ولم يقل: التقدير، وقد جوّز غيره في ألق أن يكون عطفا على بورك لكنه تجويز لا يتأتى لوجوب الفصل حينئذ، وإلا حسن ما ذكره الزمخشري ولا محذور فيه؛ لأنه كقولك: قلت: قام زيد، واضرب عمرا، والجملتان في المحكى منفصلتان، وبالجملة الزمخشري لم يقل: أن ألق فيها معنى الخبر كما زعم السكاكى، ثم فيما قاله السكاكى أيضا من أن جملة بورك خبر لفظا ومعنى نظر لجواز أن يكون دعاء وهو إنشاء، وقد ذكر هذا التقدير الفارسي وشيخنا أبو حيان وأبو البقاء وغيرهم، فتكون الجملتان متفقتين معنى في الإنشاء، فيكون مثل: {لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ}⁣(⁣٣)، ولا شك أن كون بورك إنشاء أو خبرا يتوقف على كون أن هذه تفسيرية أو الناصبة فهي خبر وإن كانت المخففة من الثقيلة فقال الفارسي: إنها دعاء، وجوزه شيخنا أبو حيان في هذه الآية الكرية، وجزم به أبو البقاء لكن ذكر


(١) صدر بيت من البسيط، وهو للأخطل في خزانة الأدب ٩/ ٨٧، والكتاب ٣/ ٩٦، والإيضاح ١٥١، وعجزه (فكلّ حتف امرئ، يجرى بمقدار).

(٢) سورة القصص: ٣١.

(٣) سورة البقرة: ٨٣.