الفن الأول: علم المعاني
  .. .....
  أبو حيان عند قوله تعالى {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها}(١) أن ذلك عند الفارسي، ورد عليه بأن المشهور أن الجملة الطلبية لا تقع خبر إن، ولذلك أولوا قوله:
  إنّ الّذين قتلتم أمس سيّدهم ... لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما(٢)
  قلت: وكذا قوله:
  أكثرت في العذل ملحّا دائما ... لا تكثرن إنّى عسيت صائما(٣)
  (قلت): ولعل الزمخشري لأجل هذا قال: إن أن هذه لا يجوز أن تكون مخففة من الثقيلة؛ لأنه لا بد من قد إشارة إلى
  ملازمة الخبرية والتحقيق في جعل خبر إن إنشاء أنه يجوز إن كان طلبيا ولفظه خبر لتكرره في أدعية النبي ﷺ: «اللهمّ إني أسألك رحمة من عندك»(٤)، «اللهمّ إني أعوذ بك من المغرم والمأثم»(٥)، «اللهم إني أعوذ بك من فجأة نقمتك وتحول عافيتك»(٦)، «اللهم إني أعوذ بك من أن أضلّ أو أضلّ»(٧)، وهو كثير، ولا يجوز أن يكون مثل: أنى بعتك، والفرق أن الطلبي يفيد التأكيد لتأخر متعلقه فيؤكد طلبه كما تؤكد النسبة الخبرية بخلاف الإنشاء الذي وقع متعلقه معه فلا يقبل التأكيد، وهذا تفصيل قلته بحثا، وهو مخالف للقولين فلينظر فيه، ولعل ابن مالك من أجل هذا قال: قد تدخل أن على ما خبره نهى ولم يطلق الإنشاء، ومما ذكروه في هذا الفصل قوله تعالى: {إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ}(٨)، قالوا: جملة (امتازوا) معطوفة على أن
(١) سورة النور: ٩.
(٢) البيت من البسيط، وهو لأبى مكعت أخي بنى سعد بن مالك في خزانة الأدب (١٠/ ٢٤٧)، والدرر (٢/ ١٧٠).
(٣) الرجز لرؤبة في ملحقات ديوانه ص: ١٨٥، وخزانة الأدب (٩/ ٣١٦، ٣٢٢، ٣١٧) والخصائص ٨٣١١.
(٤) «ضعيف» أخرجه الترمذي والطبراني والبيهقي وغيرهم في حديث طويل، وانظر ضعيف الجامع (١٢٩٣).
(٥) أخرجه البخاري في الأذان (ح ٨٣٢)، وفى غير موضع، ومسلم (ح ٥٨٩).
(٦) أخرجه مسلم في «الذكر والدعاء»، (ج ٢٧٣٩).
(٧) صحيح أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة، وانظر صحيح ابن ماجة (ج ٣١٣٤).
(٨) سورة يس: ٥٥.