عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الأول: علم المعاني

صفحة 564 - الجزء 1

  وقوله: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ}⁣(⁣١)، وقوله: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ}⁣(⁣٢)، وقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ}⁣(⁣٣):

  أما المثبت: فلدلالته على الحصول؛ لكونه فعلا مثبتا، دون المقارنة؛ لكونه ماضيا؛ ولهذا شرط أن يكون مع (قد) ظاهرة أو مقدّرة.


  إلى وقت كون الولد على أحد الاحتمالين الآتيين، والأول معه قد دون الثاني، ثم استشهد للماضى معنى لا لفظا بالمضارع المجزوم بلم كقوله تعالى: أَ {نَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} فقد ثبتت الواو، وقوله تعالى: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} فقد استعمل بغير واو وفيه نظر؛ لاحتمال أن تكون الجملة خبرية وقطعت لقصد الاستئناف أو بدلا والمجزوم بلما كقوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} وقد تضمن كلامه أن المضارع المنفى بلا أو لم أو لما، والماضي كل منهما يجوز فيه دخول الواو وتركها على السواء، فأما المنفى بلا فقد تقدم، وأما الماضي فقد أطلقه المصنف، ولكنه لا يريد الإطلاق بل يريد الماضي

  المثبت كما سيأتي في تعليله، وقد ادعى المصنف أنه يجوز فيه ترك الواو وذكرها، وعلل ذلك بأنه دال على الحصول دون المقارنة، فهو كالمضارع المنفى في أنه اشتمل على أحد الأمرين الموجودين في المضارع المثبت، وهو الحصول دون المقارنة، كما أن المضارع المنفى اشتمل على أحد الأمرين، وهو المقارنة دون الحصول فقد تساوى الماضي والمضارع المنفى في أن كلا منهما وجد فيه جزء المقتضى لامتناع الواو، فلم يترتب حكم امتناع الواو، أما دلالة الماضي على الحصول فلأنه فعل مثبت، وأما عدم دلالته على المقارنة فلأنه ماض.

  (قلت): قد تقدم ما يرد عليه والفعل الماضي الواقع حالا دال على مقارنته أو مقارنة الوصف به لزمن عامله، فإذا قلت: جاء زيد أمس وقد ضرب عمرا كان معناه أن الضرب أو الوصف مقترن بزمن المجئ، وكذلك سيجئ زيد وقد ضرب عمرا (قوله: ولهذا شرط أن يكون مع قد ظاهرة أو مقدرة) قال في الإيضاح: حتى تقربه إلى الحال فيصح وقوعه حالا.


(١) سورة مريم: ٢٠.

(٢) سورة آل عمران: ١٧٤.

(٣) سورة البقرة: ٢١٤.