عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الأول: علم المعاني

صفحة 566 - الجزء 1

  وأما المنفىّ: فلدلالته على المقارنة دون الحصول:

  أما الأول: فلأنّ (لمّا): للاستغراق، وغيرها⁣(⁣١): لانتفاء متقدّم مع أن الأصل استمراره، فيحصل به⁣(⁣٢) الدلالة عليها⁣(⁣٣) عند الإطلاق؛ بخلاف المثبت: فإنّ وضع الفعل على إفادة التجدد، وتحقيقه: أنّ استمرار العدم لا يفتقر إلى سبب، بخلاف استمرار الوجود.

  وأما الثاني⁣(⁣٤): فلكونه منفيّا.


  على أنا لا نسلم أنهم أرادوا ذلك، بل أرادوا موصوفا بذهاب سابق أو بمكث سابق، ولا يصح حمله على الماضي في الجملة الشرطية نحو: جاء زيد إن أكرمته أكرمني؛ لأنا إن جوزناه وجبت الواو، وأيضا فالذي يجعل حالا في المعنى هو الارتباط لا مضمون الماضي لفظا.

  (قوله وأما المنفى) دخل فيه الماضي لفظا ومعنى وهو منفى، مثل: جاء زيد ما ضرب عمرا، ودخل فيه الماضي معنى فقط، وهو الذي مثل له بنحو وَلَمْ يَمْسَسْنِي * ويرد عليه أيضا الماضي لفظا فقط وحاصل ما ذكره أن ما قرره من كون المنفى ليس فيه حصول، والماضي ليس فيه حال يقتضى وجوب الواو في الماضي المنفى لانتفاء المعنيين؛ لأنه لم يشابه الحال المفردة في واحد من معنييها بخلاف المثبت فإنه يشابهها في الحصول فاستحق عدم الواو، ولم يشابهها في الدلالة على المقارنة فاستحق الواو بخلاف المضارع المنفى فإنه شابهها في المقارنة، ولم يشابهها في الدلالة على الحصول؛ فجاز الأمران فيه أما الماضي المنفى فقد بعد كل البعد عن الحال المفردة، فينبغي أن تجب الواو لكنه لم يجب فيه ذلك، بل كان مثله، أما المنفى بلما فلأنها لاستغراق الأزمنة؛ لأنها تدل على

  اتصال نفيها بالحال، وأما المنفى بغيرها كقولك: جاء زيد ولم يضرب عمرا، وقولك: وما ضرب عمرا؛ فلأنه وإن دل على الانتفاء في زمن متقدم فالأصل استمرار ذلك الانتفاء فصار كالدال على الانتفاء المتصل مثل «لما» فحصلت في كل من الثلاثة الدلالة على المقارنة فصار كالمضارع المنفى. قال: (وأما الثاني) أي: وأما أنه لا يدل على الحصول (فلكونه منفيا) كما تقدم تقريره في المضارع المنفى.


(١) أي: غير (لما) مثل (لم وما).

(٢) أي: بالنفي المستمر.

(٣) أي: على المقارنة.

(٤) أي: عدم دلالته على الحصول.