عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الأول: علم المعاني

صفحة 567 - الجزء 1

  .. ... ... .....


  (قلت) ما ذكره في الماضي معنى نحو: {لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ}⁣(⁣١) هو الصحيح خلافا لابن خروف فإنه أوجب الواو على حذف المبتدأ والمنفى بلما كذلك كما قاله يجوز بالواو وغيرها، ومجيئه بالواو هو الكثير، وأما بغير واو فقال ابن مالك في باب الحال: إنه لم نجد له مثالا. وقد أنشد هو في أول شرحه للتسهيل:

  فقالت له العينان سمعا وطاعة ... وحدّرتا كالدّرّ لما يثقب⁣(⁣٢)

  وأما كون «لما» تدل على الاستمرار فإنما كان لأن النكرة في سياق النفي للعموم، وذلك موجود في جميع أدوات النفي، غير أن «لما» تدل على اتصال النفي بالحال فنفيها بالنسبة إلى الحال أظهر من نفيها بالنسبة إلى ما قبله بخلاف «لم» فإن دلالتها على جميع الأزمنة على السواء، فقولهم: إن «لم» تدل على نفى الفعل في زمن ما، والأصل عدم استمراره ليس بجيد، بل تدل على النفي في جميع الأزمنة، ثم لو سلمناه فقولهم: إن «لما» يشترط اتصال نفيها لا يقتضى الاستغراق، بل يقتضى تقييد مطلق النفي بما قبل الحال وذلك لا يقتضى الاستغراق، والحق أن أدوات الشرط كلها موضوعة للاستغراق غير أن «لما» دلالتها على نفى ما اتصل بالحال أقوى من دلالتها على غيره، وقد قال ابن الحاجب في مقدمته للنحو: إن «لم يقم» لا يدل على الاستمرار بخلاف «لما» وما ذكره ممنوع ومخالف لما ذكره هو في أصول الفقه، فإن قلت نحو قوله تعالى: {عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ}⁣(⁣٣) لم يعم الأزمنة. قلت: عام مراد به الخصوص، ثم بعد تسليم ذلك مقصوده غير حاصل فإن الماضي المنفى يدل على اتصال النفي بالحال، ولا تلزم المقارنة فإن الاتصال يستدعى استمرار ذلك إلى وقت العامل، وأما المقارنة فتستدعى أن يكون معه وليس في الفعل ما يدل عليه إلا بضميمة أن الأصل الاستمرار

  فحينئذ استوت «لما» و «لم».

  (قوله: والتحقيق) أي: تحقيق الفرق بين الماضي المثبت، والماضي المنفى - أن استمرار العدم لا يفتقر إلى سبب؛ لأن استمرار العدم عدم، والعدم لا يفتقر إلى سبب


(١) سورة آل عمران: ١٧٤.

(٢) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في لسان العرب (قول)، وتاج العروس (قول).

(٣) سورة العلق: ٥.