عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الأول: علم المعاني

صفحة 582 - الجزء 1

  وغير المفسد؛ كقوله [من الطويل]:

  وأعلم علم اليوم والأمس قبله


  الثاني: أن يكون حشوا غير مفسد، وهو ما كان فيه زائد متعين، ولكن ذكره لا يفسد المعنى، كقول زهير:

  وأعلم علم اليوم والأمس قبله ... ولكنّنى عن علم ما في غد عمى⁣(⁣١)

  فإن قوله: (قبله) لا فائدة فيه. (قلت): وفيه نظر من أوجه:

  الأول: أنه يجوز أن يقال في قبله: إن له فائدة، كأنه يقول: أعلم ما كان قبل هذا اليوم أي: لا يشغلني اليوم عن علم منى سابق، فإن قبلية الشئ وصف يؤذن بالاشتغال بالحاضر عنه.

  الثاني: أنه يجوز أن يكون الضمير في قبله، يعود إلى العلم، أي أعلم ما كان أمس، قبل علمي بما كان اليوم، مبالغة في قوته الحافظة، وأنه يستحضر الماضي، قبل استحضاره الحاضر.

  الثالث: أن قبله تأكيد معنوي، والوصف التأكيدى جائز، وليس حشوا، بل هو كقولهم: أمس الدابر، ومثله في الإيضاح بقوله:

  ذكرت أخي فعاودنى ... صداع الرّأس والوصب⁣(⁣٢)

  فإن الرأس حشو؛ لأن الصداع لا يستعمل إلا في الرأس، وقد قيد ابن مالك في المصباح هذا الحشو بما ليس فيه بديع، فإن كان فيه بديع حسن، كقول المتنبي:

  وخفوق قلب لو رأيت لهيبه ... يا جنتي، لرأيت فيه جهنما⁣(⁣٣)


(١) البيت من الطويل، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٢٩، وشرح المعلقات السبع ص ٦٩، وشرح المعلقات العشر ص ٨٦، ولسان العرب، وتهذيب اللغة ٣/ ٢٤٥، وروايته:

وأعلم ما في اليوم والأمس قبله ...

(٢) البيت من مجزوء الوافر، وهو لأبى العيال الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص ٤٢٤، وتهذيب اللغة ٢/ ٢٠٤، ولسان العرب (ردع)، وتاج العروس (ردع)، ويروى عجزه:

رادع السقم والوصب.

(٣) البيت من الكامل، وهو لأبى الطيب المتنبي في شرح ديوانه ١/ ٧٥، وروايته فيه: (يا جنتي لظننت) بدلا من (يا جنتي ورضت فذلت صعبة أي إذلال) -