عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الثاني علم البيان

صفحة 62 - الجزء 2

  والعقلىّ: كحرمان الانتفاع بأبلغ نافع مع تحمّل التعب في استصحابه، في قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً}⁣(⁣١) ...


  بقي أن يقال: كون الإقعاء هيئة سكون فيه نظر؛ لأن الجلوس حركة، لأن الحركة السكون في حيز بعد السكون في غيره، والجلوس كذلك نعم دوامه سكون، ومنه قوله في صفة مصلوب:

  كأنّه عاشق قد مد صفحته ... يوم الوداع إلى توديع مرتحل

  أو قائم من نعاس فيه لوثته ... مواصل لتمطّيه من الكسل

  ص: (والعقلي كالمنظر المطمع إلخ).

  (ش): هذا هو القسم الثاني من القسم الثاني، وهو الوجه المركب الذي بمنزلة الواحد، وهو عقلي. ومثله المصنف بقوله: كالمنظر المطمع مع المخبر المؤيس على خلاف المقدر في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ}⁣(⁣٢) فإنه شبه عمل الكافر الذي يحسبه ينفعه في الآخرة، ثم يخيب أمله، بشراب يراه الكافر، وقد غلبه العطش يوم القيامة، فيحسبه ماء فيأتيه فلا يجده، ويجد زبانية ربه يذهبون به إلى النار.

  فالوجه هنا منتزع من أمور مجموع بعضها لبعض؛ لأنه روعى من الكافر توهمه نفع العمل، وأن يكون للعمل صورة مخصوصة، وهي صورة الصلاح وأنه لا يفيد في العاقبة شيئا، ويلقون فيها عكس ما أملوه. وكذا في المشبه فالجامع كون الشئ على صفة يتوهم نفعه، وهو في الباطن غير نافع بل ضار، وهو وجه عقلي أحد طرفيه وهو السراب عقلي وهمى، والآخر وهو الأعمال منقسمة إلى حسى كالصلاة والصدقة، وعقلي كالاعتقاد، وكل ما كان في أطرافه حسى وعقلي كان وجهه عقليا، كما سبق.

  وقوله: (الجامع المنظر المطمع مع المخبر المؤيس) يريد الهيئة الحاصلة من المنظر والمخبر، لا نفس المخبر والمنظر، فإن المنظر إن أريد به المفعول، فهو حسى أو المصدر فقد ينازع في كونه عقليا؛ لأنه توجيه الحدقة نحو المنظور، وهو يشاهد بالحاسة وقد مثل هذا النوع بقوله : «إياكم وخضراء الدمن» يريد: المرأة الحسناء في المنبت


(١) سورة الجمعة: ٥.

(٢) سورة النور: ٣٩.