الفن الثاني علم البيان
  واعلم أنه قد ينتزع من متعدّد، فيقع الخطأ؛ لوجوب انتزاعه من أكثر؛ إذا انتزع من الشطر الأول من قوله [من الطويل]:
  كما أبرقت قوما عطاشا غمامة ... فلمّا رأوها أقشعت وتجلّت(١)
  السوء»(٢) ومن يقول: إن هذا ليس تشبيها، بل استعارة يمثل به لما فيه من التشبيه المعنوي، لا اللفظي.
  وقوله: (كالمنظر إلخ) لا يوجد في كثير من نسخ التلخيص، ثم مثل المصنف أيضا بحرمان الانتفاع بأبلغ نافع مع تحمل التعب في استصحابه، كقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً}(٣) فإنه روعى به مجموع أمور: وهو الحمل للأسفار التي هي أوعية العلوم، مع جهل الحامل بما فيها.
  واعلم أن ظاهر كلام المصنف أن الطرفين هنا حسيان، وهما الكفار والحمار، وفي كتاب البلاغة لعبد اللطيف البغدادي أنه من تشبيه المعقول بالمحسوس؛ لأن حملهم التوراة ليس كالحمل على العاتق، إنما هو القيام بما فيها، ومثله بقوله تعالى: {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ}(٤).
  ص: (واعلم أنه ينتزع من متعدد، فيقع الخطأ؛ لوجوب انتزاعه من أكثر).
  (ش): المقصود أنه قد يقع التشبيه بوجه مركب من أمور كثيرة فيظن أنه من بعضها، فيقع في الغلط، ومثله المصنف بقوله:
  كما أبرقت قوما عطاشا غمامة ... فلمّا رأوها أقشعت وتجلّت
  فإنه قد يتوهم أن النصف الأول تشبيه تام، وليس كذلك، بل وجه الشبه وقوع ابتداء مطمع متصل بانتهاء مؤيس.
  (قلت): وهذا يتوقف على الوقوف على ما قبل هذا البيت؛ ليعلم هذا المشبه به، أيلتقى في المعنى بهذا النصف أو لا؟ والآية السابقة أحسن في التمثيل بها، وهو قوله تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمارِ} لا أن عبارة المصنف؛ قد ينتزع من متعدد فيقع الخطأ،
(١) أورده القزويني في الإيضاح ص ٣٥٤، والطيبي في شرحه على مشكاة المصابيح بتحقيقى ١/ ١٠٧.
(٢) «ضعيف جدّا» أخرجه القضاعي في «مسند الشهاب»، من طريق الواقدي، وقد تفرد به وهو ضعيف كما قال الدارقطني في «الأفراد» وراجع الضعيفة (ح ١٤).
(٣) سورة الجمعة: ٥.
(٤) سورة العنكبوت: ٤١.