الفن الثاني علم البيان
  
  وقال ابن جنى في سر الصناعة: أصل كأن زيدا عمرو: إن زيدا كعمرو فالكاف تشبيه صريح كأنك قلت: إن زيدا كائن كعمرو. ثم أرادوا الاهتمام بالتشبيه الذي عليه عقدوا الجملة فأزالوا الكاف من وسطها وقدموها إلى أولها لفرط عنايتهم بالتشبيه، فلما أدخلوها على إن وجب فتح إن، لأن المكسورة لا يتقدمها حرف الجر ولا تقع إلا أولا، وبقي معنى التشبيه الذي كان فيها وهي متوسطة بحالة فيها وهي متقدمة وذلك قولهم: كأن زيدا عمرو. إلا أن الكاف الآن لما تقدمت بطل أن تكون متعلقة بفعل ولا معنى الفعل؛ لأنها فارقت الموضع الذي يمكن أن تتعلق فيه بمحذوف وتقدمت إلى أول الجملة وزالت عن الموضع الذي كانت فيه متعلقة بخبر إن المحذوف، وزال ما كان لها من التعلق بمعانى الأفعال وليست زائدة، لأن معنى التشبيه موجود فيها، بقي النظر في أن التي دخلت عليها هل هي مجرورة أو لا؟ وأقوى الأمرين عندي أن تكون أن في كأنك زيد مجرورة بالكاف، فإن قلت: الكاف الآن ليست متعلقة بفعل فليس ذلك مانعا من الجر ألا ترى أن الكاف في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}(١) غير متعلقة بشئ وهي مع ذلك جارة ويؤكد أنها جارة فتحهم الهمزة بعدها كما يفتحونها بعد العوامل الجارة نحو:
  عجبت من أنك قائم. فكذا فتحت أيضا في كأنك قائم لأن قبلها عاملا قد جرها، فاعرف ذلك، انتهى.
  (قلت): إذا تأملت كلام الزمخشري وتدبرت عبارة ابن جنى علمت أن مقصودهما أن كأن مركبة من إن المكسورة والكاف، وأنها فتحت وصارت بعد الفتح على حالها من الدلالة على تأكيد الجملة غير منحلة مع ما بعدها إلى مصدر وأن هذه المفتوحة المتصلة بالكاف غير أن المفتوحة في قولك: عجبت من أنك قائم، وقدمت ووضعت في غير محلها مسارعة إلى تبادر ذهن السامع للتشبيه، ولعلها إنما فتحت لمشابهتها في الصورة لعجبت من أنك قائم بجامع ما بينهما من اتصال كل منهما بحرف كراهية أن يقع في الصورة اتصال إن المكسورة بحرف جر أو اتباعا لحركة الكاف، ألا ترى إلى قول الزمخشري: فتحت لها الهمزة لفظا
(١) سورة الشورى: ١١.