الفن الثاني علم البيان
  وردّ: بأن لفظ المشبّه فيها مستعمل فيما وضع له تحقيقا، والاستعارة ليست كذلك، وإضافة نحو (الأظفار) قرينة التشبيه.
  تكون المنية مثلا في بيت الهذلي أريد بها «السبع»؛ لأنه المشبه به، فيكون استعارة تحقيقية، ولا يكون معنى المنية مقصودا، والقطع حاصل بخلافه، قلت: بل المنية يعبر بها عن «السبع» الذي هو الموت بعد ادعاء أن الموت فرد من أفراد السباع، فالمراد بالمنية السبع لكن ليس السبع الحقيقي، بل السبع المجازى، فالاستعارة في الأصل للسبع كأنا عبرنا بالسبع عن المنية، ثم عبرنا بالمنية عن ذلك السبع، فيصح أن يقال حينئذ:
  المراد بالمنية «السبع»، وأن يقال: المراد بها «الموت» وعلى التقديرين المراد المشبه به، ووضح بذلك أن المنية في البيت مشبه أريد به المشبه به، فالمشبه المنية التي هي موت مطلق، والمشبه به المنية التي هي موت مقيد بكونه له صورة السبع، ولما كان المصنف مخالفا للسكاكى في ذلك، ويرى أن المراد بالمشبه «الحقيقة المشبهة» اعترض عليه، فقال: وعنى بالمكنى عنها أن يكون المذكور هو المشبه على أن المراد بالمنية «السبع» أي السبع المجازى الذي ادعى دخوله في أفراد السبع الحقيقي بادعاء السبعية، أي صفة السبع لها بقرينة إضافة الأظفار إليها، أي إضافتها لضميرها، أي بمعنى نسبتها لها، ورد المصنف هذا بأن لفظ المشبه فيها، أي في «المنية» مثلا مستعمل فيما وضع له تحقيقا، وعبر المصنف هنا بلفظ المشبه؛ لأنه يرى أن ذلك تشبيه لا استعارة، وهذا استدلال بنفس الدعوى، قال في الإيضاح: للقطع بأن المراد «بالمنية» في البيت «الموت» لا الحيوان المفترس. قلت: وهذا لا يدل؛ لأن السكاكى لا ينكر أن يكون المراد «بالمنية» «الموت»، ولك أن تقول: المراد بها الموت بقيد كونه على صورة السبع، كما حققناه آنفا، وهذا القدر هو الذي أوقع المصنف في هذا الاعتراض، ولم يتأمل أن قول السكاكى: إن المراد «بالمنية» «السبع» لا ينفى ما هو مقطوع به من إرادة الموت، وقول المصنف: إن إدخال المنية في جنس السبع للمبالغة، لا يقتضى كون اسم المنية يستعمل فيما لم يوضع له على التحقيق ليس صحيحا؛ لأن المنية التي وضع اللفظ لها «موت» هو معنى، والمنية المرادة في المكنية موت له صورة السبع، وما ذكره السكاكى من كون الاستعارة بالكناية مجازا، عليه الأكثرون، وصرح به الزمخشري عند قوله تعالى: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ}(١).
(١) سورة البقرة: ٢٧.