وهي ضربان: معنوى، ولفظي:
  والثاني: نحو: {صِبْغَةَ اللَّهِ}(١)، وهو مصدر مؤكّد ل {آمَنَّا بِاللَّهِ}(٢) أي: تطهير اللّه؛ لأنّ الإيمان يطهّر النفوس، والأصل فيه: أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمّونه: (المعموديّة)، ويقولون: إنّه تطهير لهم؛ فعبّر عن الإيمان باللّه ب صبغة اللّه للمشاكلة بهذه القرينة.
  بلفظ النفس؛ لتقدم «تعلم ما في نفسي» واعترض بجواز أن يكون المراد بنفسك «الذات» فتكون حقيقة من غير ملاحظة المشاكلة. قلت: وعبارة الزمخشري: «المعنى تعلم معلومى، ولا أعلم معلومك» ولكنه سلك بالكلام طريق المشاكلة، والذي فهمته من هذا الكلام، أنه لا يريد أن النفس هنا غير الذات، بل ذكر الجملة التي لأجلها عبر عن المعلوم بما في النفس، فلا يكون إرادة الذات والحقيقة منافيا للمشاكلة، ويمكن أن يقال: النفس وإن أطلقت على الذات في حق غير اللّه - تعالى - فلا تطلق في حقه، لما فيه من إيهام معناها الذي لا يليق بغير المخلوق، فلذلك احتيج إلى المشاكلة. وقيل: لا بد من الإقرار بالمشاكلة؛ لأن ما في النفس إن أريد به المضمرات، فلا مطابقة من جهة اللّه - تعالى - فوجب المشاكلة، وإن أريد ما في الحقيقة والذات فالمشاكلة من حيث إدخاله في الظرفية، ومنه قوله تعالى: {وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها}(٣) على أحد القولين السابقين، وجعل منه في الإيضاح قول أبى تمام:
  من مبلغ أفناء يعرب كلّها ... أنّى بنيت الجار قبل المنزل(٤)
  وفيه نظر؛ لأن البناء المذكور لم يذكر نظيره في المنزل تحقيقا، بل تقديرا، فإن تقديره قبل بناء المنزل، فهو من القسم الثاني، لا الأول، بل هو أجدر باسم البعدية من الثاني؛ لأن هذا التقدير لفظي، والتقدير في القسم الثاني معنوي، قوله: (والثاني) أشار إلى ما إذا كان وقوع ذلك الاسم في صحبة غيره تقديرا (نحو قوله تعالى {صِبْغَةَ اللَّهِ}) فإنه مصدر مؤكد انتصب بقوله تعالى: {آمَنَّا بِاللَّهِ} ومقابل الصبغة مقدر تقديره صبغة اللّه لا صبغتكم، والمعنى تطهير اللّه (لأن الإيمان يطهر النفوس، وأصله أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر، يسمونه المعمودية) قال المطرزي: وهي لغة غريبة لم تسمع إلا في التفسير (ويقولون: هو تطهير لهم، فعبر عن الإيمان باللّه
(١) سورة البقرة: ١٣٨.
(٢) سورة البقرة: ١٣٦.
(٣) سورة الشورى: ٤٠.
(٤) الإيضاح ص ٣٤٨، شرح عقود الجمان ٢/ ٨٠.