الفن الثالث: علم البديع
  
  بصبغة اللّه للمشاكلة) وإن لم يتقدم لفظ الصبغ لدلالة القرينة، وغمس النصارى أولادهم عليه، كما تقول لمن يغرس الأشجار: اغرس كما يغرس فلان، تريد رجلا يصطنع الكرام، وهذا الكلام كله من الكشاف، ونقل عن الزّجّاج أن (صبغة اللّه) يجوز أن يراد به خلقة اللّه الخلق، أي ابتداء اللّه الخلق على الإسلام كقوله تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها}(١) وقول الناس: صبغ الثواب إنما هو تغيير لونه وخلقته، وقال القاضي: صبغنا اللّه صبغة، وهي فطرته كأنها حلية صبغ الثوب إنما هو تغيير لونه وخلقته وقال القاضي: صبغنا اللّه صبغة وهي فطرته كأنها حلية الإنسان إذ هدانا بهدايته، وطهر قلوبنا بطهره، وسماه صبغة؛ لأنه ظهر أثره عليه ظهور الصبغ. قال الطيبي: فعلى هذا القول، لا تكون مشاكلة بل استعارة مصرحة تحقيقية (قلت): وفيما قاله نظر؛ لأن كل مشاكلة فهي استعارة، فكونها استعارة لا ينافي المشاكلة، وقولهم:
  إن (صبغة اللّه) مصدر مؤكد، هو أحد الأقوال، وقيل: منصوب على الإغراء أي الزموا ويبعده {نَحْنُ لَهُ عابِدُونَ} إلا أن يقدر هناك قول، وفيه تكلف، والزمخشري ذكر هذا، إلا أنه قدر الإغراء بالمجرور، أي عليكم، ورد عليه: بأن الإغراء إذا كان بظرف، أو مجرور لم يجز حذفه، ويحتمل أن يكون تقديره عليكم تفسير معنى، وقيل: بدل من قوله: {مِلَّةِ إِبْراهِيمَ}، ونقل عن الأخفش، وهو بعيد، لطول الفصل. وقال أبو البقاء:
  انتصابه بفعل محذوف، أي اتبعوا، ولعله يريد الإغراء قال في الإيضاح بعد هذا النوع:
  ومنه الاستطراد، وهو الانتقال من معنى لمعنى آخر متصل به لم يقصد بذكر الأول التوصل لذكر الثاني، وقال بدر الدين بن مالك: إن الاستطراد قليل في القرآن الكريم، وأكثر ما يكون في الشعر، وأكثره في الهجاء، ولم أظفر به إلا في قوله تعالى: {أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ}(٢) وقول الحماسى:
  وإنّا لقوم ما نرى القتل سبّة ... إذا ما رأته عامر وسلول(٣)
  أراد مدح نفسه، فاستطرد لذم قبيلتين، وعليه قوله تعالى: {يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ
(١) سورة الروم: ٣٠.
(٢) سورة هود: ٩٥.
(٣) البيت للسموأل، انظر الإيضاح ص ٣٤٩، المصباح ص ٢٣٤.