الفن الثالث: علم البديع
  ثمّ الحرفان: إن كانا متقاربين سمّى مضارعا، وهو إمّا في الأوّل؛ نحو:
  بيني وبين كنّى(١) ليل دامس وطريق طامس، أو في الوسط؛ نحو: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ}(٢)، أو في الآخر؛ نحو: الخيل معقود بنواصيها الخير(٣).
  وإلا سمّى لاحقا، وهو - أيضا - إمّا في الأوّل؛ نحو: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}(٤)، أو في الوسط؛ نحو: {ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ}(٥)، أو في الآخر؛ نحو: {وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ}(٦)
  المضارع في جواب الشرط، ثم الحرفان اللذان وقع الاختلاف بهما، إن كانا متقاربين سمى الجناس مضارعا، وهو أي اختلاف الحرفين بالنوع إما في الأول، كقول الحريري: بيني وبين كنى ليل دامس وطريق طامس فالاختلاف بالطاء والدال، وهما حرفان متقاربان، كلاهما من الحروف الشديدة أو في الوسط، كقوله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} فوقع الاختلاف بالهمزة والهاء، وهما حرفان حلقيان. أو في الحرف الأخير نحو قوله ﷺ: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة(٧) فإن الاختلاف بالراء واللام، وهما من حروف الذلاقة قوله: (وإلا) أي إن لم يكن الحرفان اللذان وقع الاختلاف بينهما متقاربين، (سمى) الجناس (لاحقا) واللاحق أيضا إما باختلاف الحرفين في الأول، كقوله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} أو يقع الاختلاف في الوسط نحو: {ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ} فوقع الاختلاف في الوسط بالفاء والميم، وهذا فيه إشكال؛ لأن الفاء والميم متقاربان؛ لكونهما من حروف الذلاقة، ومن حروف الشفة، فكيف يكونان متباعدين؟ أو في الأخير نحو قوله تعالى: {وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ} فوقع الاختلاف بالنون والراء، وفيه نظر - أيضا - لأنهما من
(١) الكن: المنزل. وهذا من كلام الحريري، والدامس: الشديد الظلمة.
(٢) سورة الأنعام: ٢٦.
(٣) الحديث متفق عليه رواه البخاري في الجهاد، ومسلم في الإمارة.
(٤) سورة الهمزة: ١.
(٥) سورة غافر: ٧٥.
(٦) سورة النساء: ٨٣.
(٧) أخرجه البخاري في «الجهاد»، باب: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، (٦/ ٦٤)، (ح ٢٨٤٩)، ومسلم في «الإمارة»، (ح ١٨٧١).