عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الثالث: علم البديع

صفحة 289 - الجزء 2

  ثمّ الحرفان: إن كانا متقاربين سمّى مضارعا، وهو إمّا في الأوّل؛ نحو:

  بيني وبين كنّى⁣(⁣١) ليل دامس وطريق طامس، أو في الوسط؛ نحو: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ}⁣(⁣٢)، أو في الآخر؛ نحو: الخيل معقود بنواصيها الخير⁣(⁣٣).

  وإلا سمّى لاحقا، وهو - أيضا - إمّا في الأوّل؛ نحو: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}⁣(⁣٤)، أو في الوسط؛ نحو: {ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ}⁣(⁣٥)، أو في الآخر؛ نحو: {وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ}⁣(⁣٦)


  المضارع في جواب الشرط، ثم الحرفان اللذان وقع الاختلاف بهما، إن كانا متقاربين سمى الجناس مضارعا، وهو أي اختلاف الحرفين بالنوع إما في الأول، كقول الحريري: بيني وبين كنى ليل دامس وطريق طامس فالاختلاف بالطاء والدال، وهما حرفان متقاربان، كلاهما من الحروف الشديدة أو في الوسط، كقوله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} فوقع الاختلاف بالهمزة والهاء، وهما حرفان حلقيان. أو في الحرف الأخير نحو قوله : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة⁣(⁣٧) فإن الاختلاف بالراء واللام، وهما من حروف الذلاقة قوله: (وإلا) أي إن لم يكن الحرفان اللذان وقع الاختلاف بينهما متقاربين، (سمى) الجناس (لاحقا) واللاحق أيضا إما باختلاف الحرفين في الأول، كقوله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} أو يقع الاختلاف في الوسط نحو: {ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ} فوقع الاختلاف في الوسط بالفاء والميم، وهذا فيه إشكال؛ لأن الفاء والميم متقاربان؛ لكونهما من حروف الذلاقة، ومن حروف الشفة، فكيف يكونان متباعدين؟ أو في الأخير نحو قوله تعالى: {وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ} فوقع الاختلاف بالنون والراء، وفيه نظر - أيضا - لأنهما من


(١) الكن: المنزل. وهذا من كلام الحريري، والدامس: الشديد الظلمة.

(٢) سورة الأنعام: ٢٦.

(٣) الحديث متفق عليه رواه البخاري في الجهاد، ومسلم في الإمارة.

(٤) سورة الهمزة: ١.

(٥) سورة غافر: ٧٥.

(٦) سورة النساء: ٨٣.

(٧) أخرجه البخاري في «الجهاد»، باب: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، (٦/ ٦٤)، (ح ٢٨٤٩)، ومسلم في «الإمارة»، (ح ١٨٧١).