عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الثالث: علم البديع

صفحة 290 - الجزء 2

  وإن اختلفا في ترتيبها، سمى تجنيس القلب؛ نحو: حسامه فتح لأوليائه حتف لأعدائه، ويسمّى قلب كلّ، ونحو: اللهمّ استر عوراتنا، وآمن روعاتنا⁣(⁣١)، ويسمى قلب بعض.

  وإذا وقع أحدهما⁣(⁣٢) في أوّل البيت،


  حروف الذلاقة. قوله: (وإن اختلفا في ترتيبها) إشارة إلى النوع الرابع من الاختلاف، وهو أن يختلفا في ترتيب الحروف فيسمى تجنيس القلب، وهو قسمان: أحدهما، نحو قولهم:

  حسامه فتح لأوليائه حتف لأعدائه. قال: (ويسمى هذا قلب كل) وهذا أحسن من قوله في الإيضاح: يسمى قلب الكل؛ لأن كل لا يدخل عليها الألف واللام في القياس، والثاني نحو ما روى في بعض الأخبار: «اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا»⁣(⁣٣) وكذلك قول بعضهم: رحم اللّه امرأ أمسك ما بين فكيه وأطلق ما بين كفيه. وكذلك قول أبى الطيب:

  ممنّعة منعّمة رداح ... يكلّف لفظها الطّير الوقوعا⁣(⁣٤)

  ويسمى هذا قلب بعض؛ لأن عورة وروعة اتفقا في الحرف الأخير وهو التاء فلا قلب فيها وانقلب ما سواها، كانقلاب فتح وحتف، وفي كفيه وفكيه، كذلك لم يقع القلب في الحرف الأخير. وفي ممنعة ومنعمة كذلك، فإن القلب لم يقع في الحرف الأول والأخير، بل فيما بينهما، ولم يقع فيما بينهما على الترتيب، كما يظهر بالتأمل، ولك أن تقول: ينبغي أن يسمى القسم الأول - أيضا - قلب بعض، فإن الحرف المتوسط وهو التاء في حتف وفتح، لم ينقلب كما لم ينقلب الأخير في عورة وروعة وإلا فما الذي أوجب تسمية أحدهما بقلب بعض والآخر بقلب كل؟ إنما يكون بجعل الأول في أحدهما ثانيا مثلا، والثاني ثالثا، والثالث أولا، ثم أشار المصنف إلى فرع من ذلك، وهو أنه (إذا وقع أحد المتجانسين جناس القلب في أول البيت)


(١) صحيح، أخرجه أحمد في المسند، وأورده الشيخ الألبانى في صحيح أبى داود، وصحيح ابن ماجة.

(٢) أي أحد اللفظين المتجانسين تجانس القلب.

(٣) جاء ذلك مرفوعا إلى النبي وسلم ولكن بلفظ الإفراد: «اللهم استر عورتي، وآمن روعتي، واقض ديني». وهو حديث «حسن» أخرجه الطبراني في الكبير عن خباب، وانظر صحيح الجامع (ح ١٢٦٢).

(٤) البيت من الوافر، وهو لأبى الطيب المتنبي في شرح ديوانه (١/ ١٣٣) وفي رواية الديوان: منعمة ممنعة رداح، والمصباح (ص ١٩٠)، والإشارات (ص ٢٩٤).