الفن الثالث: علم البديع
  وقوله [من البسيط]:
  لو اختصرتم من الإحسان زرتكم ... والعذب يهجر للإفراط في الخصر
  وقوله [من الكامل]:
  فدع الوعيد فما وعيدك ضائرى ... أطنين أجنحة الذّباب يضير؟!
  وقوله [من الطويل]:
  وقد كانت البيض القواضب في الوغى ... بواتر فهي الآن من بعده بتر
  ونظيره قوله، أي قول المعرى:
  لو اختصرتم من الإحسان زرتكم ... والعذب يهجر للإفراط في الخصر(١)
  ولعله إنما ذكر هذا المثال مع الأول، وإن كان الأول كافيا؛ ليبين أن «لو» - وإن كانت حرفا - فتقديمها على اختصرتم ينفى أن يكون اختصرتم واقعا في أول البيت، بخلاف «الواو» فيما سبق، فإن الواو إنما جئ بها للوصل، وليست من حروف المعاني المستقلة، غير أنه قد يمنع كون الخصر اسما مشتقا من الاختصار؛ لأن معناه فيه غير ملاحظ، ولولا أن المصنف أدخله في أقسام الاشتقاق؛ لكان يحسن التمثيل به للقسم الثاني، وهو الملحق بالجناس؛ لإيهام الاشتقاق لكن المصنف طرح أمثلة ذلك النوع كلها، ومثال الحادي عشر، وهو ما كان كذلك والصدر في آخر المصراع الأول قوله:
  فدع الوعيد فما وعيدك ضائرى ... أطنين أجنحة الذّباب يضير(٢)
  ومثال الثاني عشر، وهو ما كان ملحقا بالجناس بحسب الاشتقاق الأصغر، والصدر في أول المصراع الثاني، قول أبى تمام:
  وقد كانت البيض القواضب في الوغى ... بواتر وهي الآن من بعده بتر(٣)
  فإنهما مشتقان من البتر، وهو القطع، وقد سكت المصنف عن مثل الأقسام الأربعة الملحقة بالتجانس بحسب الاشتقاق الأكبر؛ لقلة استعمالها.
(١) البيت من البسيط، وهو لأبى العلاء في المصباح (ص ١١٤)، وهو بلا نسبة في تاج العروس (خصر).
(٢) البيت من الكامل، وهو لأبى عبد اللّه بن محمد بن أبي عيينة في الكامل (٢/ ٣١٨ / المكتبة العصرية) ودلائل الإعجاز (ص ١٢١)، وبلا نسبة في الإشارات (ص ٢٩٧).
(٣) البيت من الطويل، وهو لأبى تمام في شرح ديوانه (ص ٣٥٦) وفيه (المآثير) بدلا من (القواضب)، (فهي) بدلا من: (وهي)، والإشارات (ص ٢٩٨)، ونهاية الإيجاز (ص ١٣٩).