طرفا بلاغة الكلام
  فعلم: أنّ كلّ بليغ فصيح، ولا عكس.
  وأنّ البلاغة مرجعها:
  ١ - إلى الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد.
  ٢ - وإلى تمييز الفصيح من غيره:
  والثاني(١): منه ما يبيّن في علم متن اللغة، أو التصريف، أو النحو،
  قوله: (فعلم أن كل بليغ فصيح ولا عكس) يعنى سواء كان كلاما أم متكلما؛ لأن البلاغة لا بد فيها من فصاحة الكلام والكلمات، قال الخطيبي: معناه أن البلاغة أخص من الفصاحة؛ لأن الفصاحة مأخوذة في حد البلاغة كالفصل، فكانت كالحيوان للإنسان. قلت: إذا تأملت ما سبق علمت أن ليس بينهما عموم وخصوص، وليست كالفصل، بل البلاغة كل ذو أجزاء مترتبة، والفصاحة جزء.
  قوله: (وأن البلاغة مرجعها إلى الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد) هو واضح مما سبق؛ لأنه إذا كانت البلاغة المطابقة فالذي يحترز عنه الخطأ.
  وقوله: (في تأدية المعنى المراد) جوز فيه أن يكون المعنى الخطأ الواقع في تأدية المعنى، وأن يكون حالا عنه - أي عن الخطأ حال وقوعه في تأدية المعنى. قلت: لا يصحان؛ لأن الخطأ الآن ليس في تأدية المعنى، بل في عدمها،
  والذي يظهر أنه متعلق بالاحتراز.
  ص: (وإلى تمييز الفصيح من غيره ... إلخ).
  (ش): هو واضح لا يقال: ينبغي أن يقول: وإلى الاحتراز عن غير الفصيح؛ لأن السامع ليس عنده غير التمييز، والمتكلم لا يسعه ترك(٢) غير الفصيح فهو يفعل ما يقتضيه المقام والحال.
  قوله: (والثاني منه ما يبين في علم متن اللغة أو التصريف أو النحو) الثاني مبتدأ ومنه ما يبين جملة خبرية، ويجوز أن يكون (منه) خبرا عن الثاني، وما يبين فاعله، كقوله سبحانه: {أولئك لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا}(٣) وقوله: متن اللغة أي العلم الذي يعلم به معاني المفردات يحترز بقوله (متن) عن النحو والتصريف، فإنهما من اللغة، وليس موضعهما متنها، والمراد (بالثاني) هو تمييز الفصيح من غيره.
(١) أي تمييز الفصيح من غيره.
(٢) ترك غير الفصيح كذا في النسخة ولعل لفظة «غير» من زيادة الناسخ أو أسقط لفظ «إلا» قبل «ترك».
(٣) سورة سبأ: ٣٧.