عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

المحسنات اللفظية

صفحة 332 - الجزء 2

الاقتباس

  أما الاقتباس: فهو أن يضمّن الكلام شيئا من القرآن أو الحديث، لا على أنه منه؛ كقول الحريرىّ: فلم يكن إلّا (كلمح البصر أو هو أقرب)⁣(⁣١)، حتى أنشد فأغرب، وقول الآخر [من السريع]:

  إن كنت أزمعت على هجرنا ... من غير ما جرم فصبر جميل⁣(⁣٢)

  وإن تبدّلت بنا غيرنا ... فحسبنا اللّه ونعم الوكيل⁣(⁣٣)

  وقول الحريرىّ: قلنا شاهت الوجوه⁣(⁣٤) وقبّح اللّكع ومن يرجوه،


  الاقتباس: أما الاقتباس، فهو: مأخوذ من اقتباس الضوء، وهو (أن يضمن الكلام شيئا من القرآن أو الحديث) النبوي على قائله أفضل الصلاة والسّلام، والمراد بتضمينه أن يذكر كلاما وجد نظمه في القرآن، أو السنة مرادا به غير القرآن فلو أخذ مرادا به القرآن، لكان ذلك من أقبح القبيح، ومن عظام المعاصي، نعوذ باللّه منه، وهذا هو معنى قول المصنف: (لا على أنه منه) أي من القرآن أو الحديث، وقد مثله المصنف بقول الحريري فلم يكن: {إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} حتى أنشد فأغرب، وكقوله - أيضا: {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ}⁣(⁣٥) وأبين صحيح القول من عليه، وقول الآخر:

  إن كنت أزمعت على هجرنا ... من غير ما جرم فصبر جميل

  وإن تبدّلت بنا غيرنا ... فحسبنا اللّه ونعم الوكيل⁣(⁣٦)

  فإن آخر البيتين مقتبس، وكقول الحريري: «قلنا شاهت الوجوه وقبح اللكع» أي الفاسق أو اللئيم أو العبد، ومن يرجوه، «فشاهت الوجوه» مقتبس من كلام النبي حين رمى يوم حنين «كفا من الحصباء» وقال ذلك ومنه - أيضا - قول ابن عباد:


(١) اقتباس من سورة النحل: ٧٧.

(٢) اقتباس من سورة يوسف: ١٨.

(٣) اقتباس من سورة آل عمران: ١٧٣.

(٤) هذا من قول النبي للمشركين يوم حنين، وهو حديث طويل رواه مسلم في صحيحه كتاب الجهاد باب ٨١ (غزوة حنين). وأخرجه أحمد وغيره.

(٥) سورة يوسف: ٤٥.

(٦) البيت من بحر الرجز لأبى القاسم بن الحسين الكاتبي، انظر شرح عقود الجمان (٢/ ١٨٤).