يرسل الله الرسل لإقامة الحجة:
  ومما كان ينبغي للقوم الرادين على أهل الخطأ أن يقولوا لهم، في صفة الغلام المولود في الجزيرة، الذي لم يرى أحدا قط، ولم يصل إليه أمر بطاعة ولا معصية، ولا معرفة خير ولا معرفة شر.
  أخبرونا: هل يقدر إبليس يغويه ويضله، أم لا يقدر (على) ذلك؟. فإن قالوا: إنه لا يقدر على أن يضله.
  لزمهم لنا عجز إبليس وضعفه، وأنه لا يقدر أن يغوى أحداً من الخلق ولا يضله، ورجعوا عن قولهم ودعواهم في إبليس أنه قادر على إضلال الخلق وإغوائهم.
  وإن قالوا: إنه قادر على إضلال ذلك الغلام وإغوائه.
  قلنا لهم: فأخبرونا عن إبليس مخيرٌ في ذلك الفعل أم مجبرٌ عليه جبرا؟!
  فإن قالوا: إنه مجبور عليه، لزمهم أن الله، ø، البرئ من قولهم، أنه أجبر ا إبليس على إضلال ذلك الغلام؛ وقد أخبرنا في كتابه أنه لم يخلق إبليس إلا لطاعته لا لمعصيته؛ إذ قال، ø؛ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦}[الذاريات].
يرسل الله الرسل لإقامة الحجة:
  فكيف انتقض قوله، وجبر إبليس على إضلال ذلك الغلام، من قبل أن يبدأه بالخير، ومن قبل أن يلزمه الله، ø، حجة، إذ قال: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء: ١٦٥]، وقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ١٥}[الإسراء]!
  فتراه قد عذب هذا الغلام لإضلال إبليس له من قبل أن يبعث إليه رسولا ومن قبل ان يلزمه حجة واضحة، وتراه قد بدأ بالشر قبل الخير، وبالنقمة قبل النعمة، وبالضلال قبل الهدى؛ وبالسوء '' قبل الإحسان؟! ..
  وليس هكذا وصف نفسه، ø؛ إذ قال: {وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ٢٠٧}[البقرة]، وقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: ١٨٥].