رسالة در النادي في الكشف عن خبث حسين الهادي
  يهتدي به في سلوك مقصده، ويفيضوا عليه من أنوار عقولهم ما يستوضح به السبيل، ويتعرف به دقيق الأمور والجليل، فلم ينفكوا من ملازمة حضرته إلاَّ بعض الأيام فاستأذنوا للدخول عليه فحجبهم عنه فرجعوا إلى الموبذان وشكوا عليه ما كان منه من احتجابه عنهم، ومنعهم الدخول عليه، فركب إليه الموبذان فلما شخص بين يديه.
  قال: اعلم يا بني أنك مترشح للملك وتدبير أمر العالم ولا يصلح لهذا الشأن إلا من صفت أخلاقه عن كدورات الغي والتفاهة وإني وكلت بحضرتك جماعة ممن أثق بحكمته، ووفور عقله، ليهذبوا من أخلاقك، ويفيضوا عليك من أسرار الحكمة ما تكمل به، وتصير أهلاً لهذا الشأن، فأجابه الصبي بعد أن حمد الله وأثنى عليه.
  ثم قال: أما من ذكرت من الحكماء فإني حجبتهم عن الدخول عليَّ لإساءتهم الأدب في مقامي.
  قال: وما كان من إساءتهم الأدب.
  قال: تضاحكوا في مجلسي ولا ينبغي في مواقف الملوك ذلك.
  فقال له الموبذان: يا بني قد والله كملت وكمل عقلك ثم وضع التاج على رأسه وفوض إليه التدبير، فانظر في وفور عقل هذا الصبي ومعرفته بصواب الأمر وحسنه من خطأه وقبيحه، وعناية الموبذان بما فعل من إلزام من ذكرنا بملازمته، واعترافه بأن هذا الأمر لا يصلح لذوي الجهالة والسفه، يقضي من ذلك العجب مما نحن فيه من التخبيط في الأمور وارتكاب المحظور.
  وكانت اليونان لا يولون عليهم إلا من انتهت إليه الرئاسة في الحكمة ويلقبونه بطليموس، ومعناه حكيم الحكماء بلغتهم، وسيأتي لمعة من أخبار الملوك وما كانوا عليه من صفات الكمال وشرف الخلال.