رسالة الإمام المهدي محمد بن القاسم إلى الديار القاصية
  {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ٤٦}[الحج] ولو مسألة من المسائل الفرعية أو حكماً من الأحكام الشرعية ورد فيه ما ورد في حق الإمام واشتهر ونقل عنه علماء الإسلام لسارعت الأمة إلى تاركه بأنواع المذام وتحكموا(١) بهلاكه بالألسنة والأقلام، فما ظنك بهذا الحكم القطعي، والواجب الأصلي، الذي تدور رحى الإسلام عليه، وتستند المصالح الدينية إليه، وتنسد الثغور، وتدفع به الشرور، وتنتظم به أحوال الجمهور، وتقوم به فريضة الجهاد الذي هو سنام الدين وسنة الأنبياء والخلفاء الراشدين، ويتم به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فينتصر المظلوم، ويتوصل المحروم، وتقام الحدود، ويرتدع الظالم العنود، وتنفذ الشرائع والأحكام، ويميز الحلال والحرام، ويعبد الله تعالى في كل مقام، وتأمن السبلات، وتؤتى الواجبات، وتجتنب المقبحات، وتنزل البركات.
  وعلى الجملة فما من واجب من الواجبات ولا مصلحة من المصالح إلا وهي معولة عليه ومستجدة منه، والله أعلم بمصالح عباده.
  واعلم أن الخليفة لما كان قائم مقام من استخلفه اشترط أن يكون فيه صفاته حتى يقوم بما استخلف فيه، وبهذا اشترط في الإمام أن يكون بصفات النبي ÷ من المنصب الشريف، والتقوى، والورع، والشجاعة، والسخاء، وحسن التدبير، والعلم النافع، بحيث يتمكن من فصل الواردات، وحل المشكلات، وأن يشهر نفسه ويدعو إلى سبيل ربه، ويباين الظالمين، ويقرب أهل الدين، ويقسم بالسوية، ويعدل في الرعية، ويسير
(١) في نسخة: وحكم بضلاله.