الباب الثالث في أمهات مسائل من أصول الدين لا يعذر في جهلها أحد من المكلفين على سبيل الجملة والاختصار
  فإن قيل كيف تصح الدلالة على إثبات الصانع الحكيم، بآيات القرآن الكريم، ومعرفة صحته مترتبة على معرفته؟
  قلنا: يصح ذلك من وجهين: -
  أحدهما: أن تلك الآيات مثيرة لدفائن العقول ومعنى ذلك أنها منبهة للعقول على كيفية الاستدلال عليه تعالى لما كان من غريزتها وفطرتها الإقرار به تعالى ومعرفة الطريق الموصلة إليه كُشف لها إذا تكدرت أو تدنست عن تلك الطريق.
  وثانيهما: لما تواتر لنا القرآن وعلمنا إعجازه، وخرقه العادة، وإذا قد تحدى به العرب فلم يأتوا بسورة من مثله بل اختاروا على معارضته الحتوف ومعانقة العسالة والسيوف، أوجب ذلك الحكم بصدقه وصدق من جاء به وصار كسائر المحدثات التي لا يقدر عليها البشر؛ فحينئذٍ يصح الاستدلال على إثبات الصانع به وتوحيده وعدله ووعده ووعيده وجميع ما أنزل الله فيه بأوضح الدلالات، وقد قال تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ٥٢}[إبراهيم].
  المسألة الثانية: أن الله تعالى قادر، والدليل على ذلك أنه قد صح منه الفعل والفعل لا يصح إلا من قادر، وقد قال تعالى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٢٨٤}[البقرة].
  المسألة الثالثة: أن الله تعالى عالم، والدليل على ذلك أنه قد صح منه الفعل المحكم وهو لا يصح إلا من عالم ضرورة، وذلك ظاهر في ملكوت السماوات والأرض وما بينهما، فإن فيه من الترتيب الغريب، والصنع العجيب، ما يزيد على كل صناعة محكمة في الشاهد، وقد قال تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ٢٨٢}[البقرة].