[كتاب القاضي العلامة محمد بن صلاح مشحم إلى الإمام # حول اعتراض الفقهاء على الجوابات]
  قالوا: فكان من حقك أيها السائل أن تسأل أولاً عن كفرهم! ثم تفرع بعد ذلك ما يصح فعله بالكفار، ثم إنه قد يقال: إن أدنى ما يقال في الأجوبة: إن هؤلاء القوم من نجران، الذي وقع الحريق في نسائهم والصبيان، ليسوا أشد طغياناً عندهم ولا أشر حالاً من الخوارج عند علي # الذي هو باب مدينة العلم لأنهم لم يتيقنوا مروق هؤلاء من الدين! وأن إيمانهم لا يجاوز تراقيهم! كما تيقن علي # ذلك من الخوارج، بقول الصادق الأمين مشافهة «إنهم يمرقون ... الخ» وإذا كان ذلك فليسعنا أن نسير في هؤلاء سيرة علي # في الخوارج، فهل أُثِرَ عنه سبي نسائهم وصبيانهم أم أثر عنه قتلهم على كل حال، أم أثر عنه جواز إحراق النساء والصبيان إن لم يتمكن من قتل من يجوز قتله إلا بذلك، أم لم يؤثر عنه شيء من ذلك.
  فيا أيها السائل والمجيب، الأولى لك أن تراقب من هو عليك رقيب، ويا أيها السالك مسلك السلامة، والمتجنب محاوي(١) الحيرة والندامة، احذر أن تسنّ سنة سيئة فإن إطلاق المقال، لا ينبغي لمن لم يتوقف على الحق من الجهال في غير الدماء.
  وأما الدماء فالتحري فيها أعظم من التحري في غيرها، فكيف بدماء النساء والصبيان من [أهل] الشهادتين، وأهل قبلة سيد المرسلين، فليس لك أن تتعلق في كفرهم بفعل الأئمة السابقين ولا أن تعتقد ذلك إلا بما يحصل لك به اليقين، فالخلف لا يكون حكمهم في ذلك حكم السلف، ولا سيما مع تطاول الأزمان، وعدم العناية في الفحص عما يفيد ذلك من الحجج والبرهان، ولا يستفاد ذلك من أكاليم الناس الظاهرة التي لم تصدر عن تحقيق، مع أنه لا يجوز التقليد في التكفير والتفسيق، ولا اعتماد في ذلك إلا على دليل قاطع، كما قدمناه مع أنه لو سألَنَا بالله هل قد حصل
(١) كذا في الأصل، ولعلها مهاوي.