تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (الإنسان)

صفحة 109 - الجزء 1

  الدنيا بالأيدي، بل ظاهره نظيفة جميلة، وأنه لا يؤول إلى النجاسة لأنه يخرج عرقا، {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا ٢٢} يريد مكافأة، لأن السعى مشكور أي: عمل مقبول {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا ٢٣} كرر الضمير ونحن ليطمئن رسول الله ÷ لأن الله الذي إختص بتنزيله، لأن الله إذا اختص بتنزيله كان ذلك لحكمة وصواب، نزلناه تنزيلاً أي شيئاً فشيئاً، وحقاً فحقاً {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا ٢٤} فاصبر على تدبير الله وحكمه، ولا تطع الآثمين والكافرين، ولا تخف من إبراقهم وإرعادهم، وقيل: الآثم عتبة، والكفور الوليد، لأن عتبه كان ركاباً للمآثم متعاطياً لأنواع الفجور، والوليد غالياً في الكفر شديد الشكيمة في العتو، وقيل: في أبي جهل حين توعده ليضع عليه حجراً حين يصلي، فيكون المعنى لا تخف من وعيدهم ولا تبال والله حافظك، قيل: إنه لما أتي بالحجر فلما قرب منه رجم بالحجر وهرب، فقيل له: قال: إنه حمل على جمل لم أر أكبر منه يريد أن يأكلني، فهربت فأمره بالمضي في {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ٢٥} قيل صلاة الفجر وصلاة العصر، لأن البكرة أول النهار، والأصيل آخره {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا ٢٦} قيل: صلاة المغرب والعشاء، وأمره بالسجود والتسبيح في هذه الأوقات، ويمكن أن هذا عام للفريضة والنافلة والذكر في غيرهما، ويدخل في ذلك التهجد الذي أمر به ثلث الليل أو نصفه ثم قال: {إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا ٢٧} أي: أن الكافرين يحبون العاجلة وهي الدنيا يؤثرونها على الآخرة كقوله: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ١٦}⁣[الأعلى] ويتركون ما وراءهم أي: قدامهم، أو خلف ظهورهم {يَوْمًا ثَقِيلًا ٢٧} أستعير الثقل لشدته وهو له مأخوذ من الشيء الثقيل الباهظ.

  {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ} وشد الأسر هو تركيب المفاصل وتثبيت الأعضاء وتوثيق المفاصل بالأعصاب {وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا ٢٨} أي: أهلكناهم وبدلنا غيرهم مثلهم في الخلق، وشد الأعضاء والمفاصل وتبديلاً من