تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (الحاقة)

صفحة 139 - الجزء 1

  فإن الماء يوم نوح طغى على الخزان فلم يكن لهم عليه، ثم قرأ: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ ١١} وأن الريح يوم عاد عتت على الخزان فلم يكن لهم عليها سبيل، ثم قرأ: {بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ٦}».

  {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} يعني ثمانية أيام بلياليها، إلا اليوم الأول، فتكون ثمانية، لسبع ليال والحسوم أي: حسمت كل خير، واستأصلت كل بركة أو متتابعة كرة بعد كرة، وسخرها سلطها عليهم، {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ٧} الخاوية: اليابسة ليس فيها حياة، وفي ذلك تمثيل للضعيف لأن أعجاز النخل إذا يبست تكون أضعف شيء.

  {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ ٨} أي هل ترى منهم من أحد أو يرى لهم شيء باق، بل ذهبوا بما معهم ولم يبق شيء {وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ ٩} {جَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ} قيل: جنده أو ما تقدم والمؤتفكات قوم لوط بالخطأ، أو ذات الخطأ العظيم {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً ١٠} أنزل بهم نقمته، {أَخْذَةً} أي بطشة، ورابية شديدة زائدة في الشدة من الربو الذي هو الزيادة {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ ١١} أي حملنا آباءكم في الجارية أي: في السفينة {لِنَجْعَلَهَا} أي: نصيرها {لَكُمْ تَذْكِرَةً} أي: ذكرى لكم وحجة وعظة وعبرة {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ١٢} أي: التي من شأنها أن تعي وتحفظ ما سمعت ولا تضيعه بترك العمل، بل هي إذن مؤمنة مصدقة بكتب ربها ورسله وآياته ونذره قد روي أنها نزلت في أمير المؤمنين # {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ١٣} في الصور وهي النفخة الأولى، وقيل النفخة الثانية، وترجع الأرواح بقدرة الله {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ} أي: رفعت من جهتها بريح، قيل: تحمل الأرض والجبال، أو بخلق من الملائكة أو بقدرة الله من غير سبب، {فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ١٤} أي: الأرض والجبال وضرب بعضها ببعض حتى تندك، وترجع كثيباً مهيلاً، وهباء منبثاً، والدك أبلغ من الدق، وفي ذلك إشاره إلى قدرة الله ونفاذ أمره {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ١٥} أي: نزلت النازلة، وهي القيامة {وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ} أي انفطرت وذهبت {فَهِيَ يَوْمَئِذٍ