تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (الحاقة)

صفحة 141 - الجزء 1

  فيه {بِمَا أَسْلَفْتُمْ} بما قدمتم من الأعمال {فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ٢٤} من أيام الدنيا التي مضت وانتهت وفنيت {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} فهو القسم الثاني، وهم أهل الشمال حوسب على أعماله ونوقش، وأعطي كتابه بشماله، وهو الذي قد كتب فيه كل أعماله إن كان حقيقة أو أحصي عمله وأوقف عليه، وبين له، وشماله هو الشؤم والشدة، فهنالك يقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ٢٥} أي: وودت أني لم ألق سيء عملي.

  {وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ٢٦} ولم أطلع على شيء من عملي {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ٢٧} أي: الموتة، التي قضت عليّ أي: دامت فلم أبعث بعدها، ولم ألق ما لقيت {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ ٢٨} أي: لم يغن عني شيئاً ولم ينفعني {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ٢٩} أَي: ذهب عني سلطانية، الذي كنت أتسلط به على الناس، وقيل: عن ابن عباس: ضلت حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا.

  ثم أخبر سبحانه ما يكون من أمره {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ٣٠} أي: أوثقوا يده إلى عنقه، أو رقبته {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ٣١} أي أصلوه وأدخلوه النار العظمى {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ} أي: سلسلة من حديد، ذرعها: طولها {سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ٣٢}، أي: أجعلوها في عنقه، وقيل: تلتف على جسده كله وهو مرهق مضيق عليه، {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ٣٣} أي: لا يصدق بالله وموعده ووعيده ولا ببعثه، فهذا جزاؤه، وكان لا يحض على طعام المسكين أي: لا يأمر ولا يفعل ولا يؤدي زكاة ماله للمسكين، {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ ٣٥} أي يوم القيامة ليس له أي صديق مانع وقريب دافع، ونفى وجودهم بعدم منفعتهم كما قال تعالى و {وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا ١٠}⁣[المعارج] لا هنالك نافع ولا دافع، ولا من يرحم، ولا من ينفع، {وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ ٣٦}، قيل هو غسالة أهل النار وما سيل من أبدانهم، وقيل شيء لا يزيد أكلهم إلا جوعا وبلا، {وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ ٣٦} أهل الخطايا والمعاصي، {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ ٣٨} أي بما تشاهدون مما في أثر قدرتنا، وعجيب صنعتنا وتدبيرنا، {وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ٣٩} وذلك للإحاطة بجميع الأشياء مبصر وغير مبصر فقيل الدنيا