تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (القلم)

صفحة 146 - الجزء 1

  مَحْرُومُونَ ٢٧} أي: حرمنا خيرها لجنايتنا على أنفسنا {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} أي أعدلهم {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ٢٨} أي لولا تذكرون الله سبحانه وتعالى، أي كأنه قد قال لهم، عند هذه العزيمة الخبيثة فعصوه، فعيّرهم فتكلموا بما كان يقول لهم وبعد إقرارهم بالخطأ.

  {قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ٢٩} أي: اعترفوا ونزهوا الله عن الظلم، وأن ذلك لسبب منعهم للمعروف وترك الاستثناء {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ ٣٠} أي يلوم بعضهم بعض، يقبحون فعالهم وآراءهم وكان بعض منهم قبل، ومنهم من منع بالكف، ومنهم من عصى الأمر، ومنهم من سكت وهو راض {قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ ٣١} أي: يا ويحنا من هذا الأمر إنا قد طغينا، وتعدينا فقالوا: {عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ٣٢}: أي: رجعوا إلى الله، ورجوا عفوه ومغفرته وأن يمن عليهم، بأن يبدلهم، خيراً منها {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ٣٢}، راجعون، تائبون، منيبون، والله هو الغفور الرحيم.

  {كَذَلِكَ الْعَذَابُ} أي: مثل العذاب الذي بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة عذاب الدنيا هو {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ٣٣} أشد وأعظم، وقد اختلف في أصحاب الجنة هم من أهل الجنة، أم من أهل النار، وقد قيل: إنه أبدلهم بجنة، فيها عنب يحمل البغل منه عنقودا، ويقال لها الحيوان عن ابن مسعود ¥، بلغني أنهم أخلصوا وعرف الله منهم الصدق فأبدلهم جنة {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ٣٤} أي: جنات ليس فيها إلا النعيم الخالص، لا يشوبها ما ينغص.

  ثم أخبر سبحانه أن الفريقين لا يستوون فقال: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ٣٥} أي: نسوي في الحكم، والفعل بين من كان مسلماً ومن كان مجرماً، كان كفار قريش مع ما هم فيه من رغد العيش، وسعة الحال، ووفور حظوظهم في الدنيا، قلة حظوظ المسلمين، فإذا سمعوا بحديث الآخرة وما وعد الله المسلمين قالوا: أنبعث كما يزعم محمد ومن معه ولم يكن حالنا وحالتهم إلا كما هي في الدنيا، وإلا لم يزيدوا علينا، ولم يفضلونا، فأقصى أمرهم أن يساوونا فقيل