تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (القلم)

صفحة 147 - الجزء 1

  لهم: أنحيف في الحكم، ونزلت الآية، ثم قيل لهم على طريقة الالتفات {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ٣٦} أي: كيف يحكمون بهذا الحكم الجائر المخالف للعقل والنقل والفهم، أو الأمر مفوّض إليكم تحكمون كما شئتم {أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ} من السماء {فِيهِ تَدْرُسُونَ ٣٧} كقوله تعالى: {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ ١٥٦ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ١٥٧}⁣[الصافات] أي: ألكم كتاب تدرسون فيه هذا الحكم الذي تزعمونه، وهذا الأمر الذي تفكرونه: {إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ ٣٨} أي إن كان لكم كتاب فلكم ما تخيرون، أي: تختارون ما تحبون يقال يخير الشيء، واختاره أخذ خيره {أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ٣٩} أي: أم ضمنا لكم، وأقسمنا لكم أيماناً مغلظة متناهية في التوكيد، و {إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ٣٩} وإن لكم يوم القيامة بهذا الذي ذكرتم من أنكم غير معذبين وأن المجرمين في الحكم عندنا كالمسلمين، ثم قال سبحانه وتعالى لنبيه {سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ ٤٠} أي: في ذلك الحكم {زَعِيمٌ}، أي قائم به وبالاحتجاج به والزعيم: المتكلم عن القوم المتكفل عنهم والقائم بأمورهم {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ} أي ناس يشاركونهم في القول، ويوافقونهم عليه، ويذهبون مذهبهم {فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ} أي يأتوا بهولاء الشركاء {إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ٤١} ما في دعواهم وهذا من الله إبلاغ للحجة، وتبكيت لهم وليعرفوا عجزهم عن دعواهم وأنهم في غاية الضلال والتكمه في الباطل، والميل عن الحق والصواب.

  ثم عاد جل وعلا يخبر عن حالتهم يوم القيامة فقال:

  {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} الكشف عن الساق، مثل في شدة الأمر وصعوبة الخطب في معنى يشتد الأمر، ويتفاقم هوله، وهو الفزع الأكبر يوم القيامة، كما تقول العرب أقامت الحرب على ساقها، يريد أنها على أمر شديد، وتنكيره للدلالة على أنه أمر مبهم في الشدة، منكر خارج عن المألوف، كقوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ ٦}⁣[القمر] كأنه قيل: يوم يقع أمر مفظع هائل.