تفسير سورة (القلم)
  {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ٤٢} يدعون إليه توبيخاً وتعنيفاً، لأنه لم يكن هناك تعبد بالسجود، وإنما المراد تعنيفهم وتوبيخهم على تركهم السجود في الدنيا، وهم يستطيعون، وإنما ذلك مع أنه قد حيل بينهم وبين الاستطاعة تحسير وتنديم {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} فزعة مرعوبة ذليلة خشع ذل واستكان {تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} أَي تعلوهم وتغشاهم فهم أذلاء هالكون أخزياء {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ٤٣} كانوا مستطيعين قادرين على طاعة الله تعالى: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ} أَي دعني وأفردني لعقوبة من يكذب بالقرآن، الذي أنزلناه عليك وبما فيه من الوعد والوعيد وغير ذلك {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ٤٤} استدرجه إلى كذا إذا استنزله إليه درجة فدرجة حتى يورطه واستدراج الله العصاة أن يرزقهم الصحة والنعمة فيجعلوا رزق الله ذريعة ووسيلة إلى زيادة الكفر والمعاصي {مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ٤٤} أي: من الجهة التي لا يشعرون أنه استدراج وهو الإنعام عليهم، لأنهم يظنون أنه إيثار لهم وتفضيل على المؤمنين هو سبب لإهلاكهم {وَأُمْلِي لَهُمْ} وأمهلهم، كقوله تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} والصحة والرزق والإمداد في العمر الله إحسان من يوجب الشكر له تعالى على ذلك، ولكنهم يجعلونه سبباً في الكفر باختيارهم، فإذا وصلوا إلى الهلاك وصف المنعم بالاستدراج، وقيل: كم من مستدرج بالإحسان إليه، وكم من مفتون بالثناء عليه، وكم من مغرور بالستر عليه {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ٤٥} والكيد هنا هو الإنعام والإحسان، والتمكن للقادر ليفعل ما شاء وسمي كيداً كالاستدراج لكونه في صورة الكيد، لما كان سبباً للتورط في الهلكة، ووصف المتانة لقوة أثر الإحسان في التسبب للهلاك فكان كيداً متيناً قوياً له الأثر البالغ {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ٤٠} أي: هل تطلب منهم أجراً أي: جعلاً على ما جئتم به من الهداية وما تدعوهم إليه من التقى والخلاص من العذاب، أي لم تطلب منهم على الهداية والتعليم أجراً فيثقل عليهم حمل الغرامات في أموالهم فيثبطهم ذلك على قبول ما جئتهم به {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ} أي: علم الغيب {فَهُمْ يَكْتُبُونَ ٤٧} منه ما يرون ويعرفون ما يرجعون إليه {فَاصْبِرْ