تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (القلم)

صفحة 149 - الجزء 1

  لِحُكْمِ رَبِّكَ} وهو إمهالهم وتأخيرهم من العذاب، وأرض بما حكم الله من الصبر وتبليغ الشريعة وما حكم عليك {وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} له وهو يونس # {إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ ٤٨} أي: في بطن الحوت والكظم هو إمتلاء الإناء والمعنى لا يوجد منك من الضجر والمغاضبة فتبتلى بمثل بلائه {لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ} أي: لولا أن منّ الله عليه بالتوفيق للتوبة وإجابة دعائه {لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ ٤٩} ولكن الله من عليه بالتوبة وقبول الدعاء، فنبذ في حالة وهو غير مذموم ولولا ذلك لنبذ بالعراء وهو مذموم وجملة {وَهُوَ مَذْمُومٌ ٤٩} اسمية حالية وذلك واضح {فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ} أي رفعه وأدناه وقرباه واصطفاه {فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ٥٠} من الذين أصلحوا ما بينهم وبين الله، وجعله نبياً ورد الله إليه الوحي وشفعه في نفسه وقومه {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} يقال: زلقه وأزلقه أي: أزاله، ومنه زلق الرأس وأزلقه أي حلقه، يعني: أنهم من شدة تحديقهم ونظرهم إليك شزراً بعيون العداوة والبغضاء، يكادون يزلقون قدمك أو يهلكونك من قولهم نظرا إلي نظراً يكاد يصرعني، ويكاد يأكلني، أي لو أمكنه بنظرة الصرع أو الأكل لفعله وقيل: كانت العين في بني أسد، كان الرجل منهم يجوع ثلاثة أيام، فيمر به شيء فيقول لم أر مثل اليوم رجلاً فيصيبه، وأراد بعض العائنين على أن يقول في رسول الله ÷، مثل ذلك فقال لم أر كاليوم رجلاً فعصمه الله ونجاه، وعن الحسن دواء الإصابة بالعين هذه الآية، والله اعلم.

  {لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ} أي: القرآن لأنه من أسمائه أي لم يملكوا انفسهم حسداً على ما أوتيت من النبوة {وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ٥١} لما عجزوا وتحيروا في أمره تنفيراً وإلا فقد علموا وعرفوا أنه أعقلهم والمعنى: أنهم جننوه لأجل القرآن.

  {وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ} ومون عظة وذكرى {لِلْعَالَمِينَ ٥٢} فكيف يكون مجنوناً من جاء بمثل ما جاء به، بل إنه نور وهدى وداع إلى الله بالحسنى للمخلوقين جميعاً، والحمد لله رب العالمين.