تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (الملك)

صفحة 151 - الجزء 1

  عليكم الموت الذي هو يدعوكم إلى اختيار العمل الصالح، لأن وراءه البعث والجزاء الذي لا بد منه، ولذلك قدم ذكر الموت على الحياة لأنه أقوى داع إلى العمل، وفيه وجل وخوف، وقيل من نصب الموت بين عينيه قاده إلى كل خير وذاده عن كل شر والله الموفق.

  {وَهُوَ الْعَزِيزُ} أي: الغالب الذي لا يعجزه شيء القادر الذي ما أراده كان.

  {الْغَفُورُ ٢} مقيل العثرات قابل للتوبة غافر الذنوب جل وعلا رحمة منه وفضلاً ونعمة على خلقه وهو أن يقبل توبة التائبين {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} خلق وفطر وأوجد لقدرته وحكمته وحسن تدبيره سبع سماوات طباقاً بعضها فوق بعض من المطابقة، وهي المساواة، سماء فوق سماء إلى السماء السابعة {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} أي: من اختلاف واضطراب ولا تناقض، إنما هي مستوية مستقيمة، وذكر الرحمن بدل الضمير تعظيم لخلقهن وتنبيه على سلامتهن من التفاوت لأن ذلك خلق الرحمن الذي لا يعجزه شيء ولأن ذلك بباهر قدرته، والخطاب فيما يروى للرسول ÷، أو لكل مخاطب {فَارْجِعِ الْبَصَرَ} أي: ارجع في النظر حتى يصح عندك ما أخبرت به بالمعاينة ولا يبقى معك شك أو ريب {هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ٣} أي: من صدوع أو شقوق أو اختلاف أو غير ذلك مما يقتضي عدم الحكمة والتدبير {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} أمر من الله تعالى بأن يكرر البصر ويتأمل فيهن متصفحاً ومتتبعاً، يلتمس هل يرى عيباً أو خللاً {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ٤} أي: إذا فعلت ذلك من تكرير النظر سيعود بالخسور والخسور أي: بالبعد عن إصابة الخلل والعيب، أي يرجع بالاعتبار والكلال، وقيل: الخاسي الذليل المتصاغر لنفسة الموقن بصحة ما نظر إليه ووقف على جليل قدرة الله تعالى، والحسير المنقطع الذي قد جهد في الشيء فلم يفز فانحسر عن طرح ما أراد بلوغه وما أدركه {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} أي: القربي لأنها أقرب السماوات إلى الأرض إلى الناس، أي: السماء الدنيا منكم والمصابيح السرج، سميت بها الكواكب لإضاءتها، وكأنه قال: ولقد زينا