تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (الملك)

صفحة 153 - الجزء 1

  إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ ٩} الظاهر من هذا أنه من كلام الكفار، كانوا يخاطبون الأنبياء بهذا اللفظ، وقيل: يمكن أنه من كلام الخزنة بعد إقرار الكفار، بأنهم قد أنذروا وكذبوهم، قالت الملائكة الخزنة: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ ٩}، {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ١٠} أي: لو كنا نسمع في حياتنا قول الأنبياء ونتبعهم فيما قالوا، ونصدقهم أي: نسمع سماع الطالبين للحق، أو نعقل عقل متأمل، وقيل: إنما خص العقل والسمع، لأن مدار التكليف عليهما {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ١١} أي اعترفوا بكفرهم وتكذيبهم للرسل فسحقاً لهم أي: بعداً لهم، ولا ينفعهم الآن الاعتراف، لأن الفرصة قد ذهبت، ولم يبق في الآخرة تكليف ولا قبول للأعذار، كما ورد (ليس على الله بمستعتب)، أي: لا يكون هناك عتب ولا قبول معذرة.

  ثم عاد الكلام إلى صفة المؤمنين فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} أي: يخشون الله ويتقونه، ويخافون عقابه، بالغيب أي في الغيب أي سرهم، وما تغيب من أمرهم مستتراً عن الناس من أفعالهم {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} أي: لهم غفران من الله ورحمة وكرامة {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ١٢} ثواب عظيم، كثير كبير خطير، {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ}، يقول: أسروا قولكم أو اجهروا به سواء الإسرار والجهر عند الله لأنه يعلم السر وأخفى، ويعلم ما تبدون، وما تكتمون، أي: سواء {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ١٣} أي: يعلم ما تسره الضمائر، ويعلم ما في القلوب، أي: ضمائرها قبل أن تترجم الألسنة ما فيها، فهو يعلم من أسر القول ومن جهر به {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} هذا استفهام إنكاري أي: كيف لا يعلم ولا يحيط بالمسرور والمجهور من هو الخالق للإنسان، والأشياء والجبال {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ١٤} الذي أطلع على ما ظهر من خلقه وما بطن وقيل كان المشركون يتكلمون فيما بينهم بأشياء فيقولون: أسروا قولكم لئلا يسمعه إله محمد، فنبه الله على جهلهم وأن الله يعلم سرهم ونجواهم أي: يعلم ما تكنه الضمائر، وما يقع من الإسرار بين الاثنين فأكثر.