تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (الملك)

صفحة 154 - الجزء 1

  {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا} أي: خلقها وسواها، ذلولاً أي: مطيعة لا تمنع من أراد بها شيئاً من حفر وبناء، ولا تدفع شيئاً عن نفسها فشبهها جل وعلا بالمطية الذلول التي لا تمنع صاحبها من ركوبها، ولا تخالف في شيء مما يراد بها {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا}، قيل: مناكبها جبالها وقيل: شبه الأرض بمناكب البعير، وهو الضعيف فيها والراكب يعتمد عليه عند الركوب، فإذا جعلها في الذل بحيث يمشي في مناكبها فقد أبلغ في استذلالها وطوعها، وقيل: المناكب جوانبها {وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ١٥} أي: كلوا مما رزقكم الله، وتنعموا بما أخرج لكم من الأرض، وإليه معادكم، وهو البعث والحشر موضع المجازاة على كل الأعمال، وهو سائلكم عن شكر ما أنعم عليكم {أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} أي: أمنتم من هو في السماء وذلك ملائكة العذاب، وهم الباقون في السماء المنتظرون لأوامر الله بأي أمر إما عذاب أو غير ذلك، ويجوز أن يراد من في السماء أمره، ويجوز أن يراد الله الذي هو في السماء إله كما هو في الأرض إله، وهو ذو العزة والسلطان {أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ} أي: يعذبكم بخسف أو بحاصب {الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ١٦} أي تذهب بكم الأرض حتى تصبروا في بطنها وهو الخسف الحقيقي، فإذا تمور بكم تذهب بكم ذهاباً، وتهبط بكم في بطنها.

  {أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} والحاصب الرمي بالحجارة، يقال: حصبه أي رماه بالحصباء، ومعناه ما تقدم والاستفهام في الموضعين بمعنى الإنكار، أي كيف تأمنون، وغضب الله شديد، وهو القادر على أن يعذبكم بأنواع من العذاب، فلا ينبغي أن يأمن الإنسان لحظه واحدة كما قال تعالى: {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ٩٩}⁣[الأعراف] ومكره هو عذابه، فلا يأمن المؤمن الخسف أو الرمي بالحجارة كما رمي القوم المبطلون.

  {فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ١٧} أي: ستعلمون الإنذار الذي على لسان رسله وقد