تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (الشمس)

صفحة 56 - الجزء 1

  والتميز بالعقل والفهم، وتبيين الحسن والقبيح {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ٩} وهذا جواب القسم، لأنه يتلقى القسم بقد كما هنا، وأما الزمخشري فقال: الجواب محذوف تقديره ليد مدمن الله عليهم، أي على أهل مكة. وهذا بعيد والظاهر الأول، أي: زكاها وطهرها بالأعمال الصالحة والتقوى {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ١٠} والتدسية: النقص والإخفاء بالفجور، وعمل الفواحش. قال ابن عباس: حينما سئل عن معنى هذه قال: أتقرأ قد أفلح من تزكى وقد خاب من حمل ظلما، وهذا واضح وأن الضمير يعود إلى النفس في زكّاها ودساها {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا ١١} أي: بكثرة طغواها فتكون الباء للاستعانة مثل كتبت بالقلم {بِطَغْوَاهَا ١١} أي: بكثرة طغيانها {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا ١٢} هو قدار بن سالف. {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا ١٣} الضمير للجماعة، وكذا في المصابيح أن الضمائر تفيد أن الخطاب للجماعة، انتهى.

  فيكون العاقرون الجماعة، وإذا جعلنا العاقر واحداً فالخطاب لهم جميعاً، والراضي هو كالفاعل لا شك في ذلك، كما لو تمالأ جماعة على قتل واحد، وقتله واحد أنهم يكونون قاتلين، ونصب الناقة على معنى التحذير، كأنه قال: أحذركم من قتل الناقة، أي: احذروا الناقة وسقياها لا تزووا سقياها عنها، وتستأثروا به {فَكَذَّبُوهُ} فيما حذرهم وتمادوا بالطغيان {فَعَقَرُوهَا} قتلوها جرأة {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا ١٤ وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا ١٥} أي: دمدم أطبق عليهم العذاب، وفيها إفادة تكرير العذاب في وقته بذنبهم، أي: بسبب ذنبهم حينما عقروا الناقة، وفيه تحذير عظيم من تعجيل عقوبة الذنب، فحق أن يعتبر المذنب {فَسَوَّاهَا ١٤}، بمعنى سوى الدمدمه حتى عمتهم والضمير للدمدمة فعمهم العقاب ولم يفلت منهم صغير ولا كبير، وقوله: {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا ١٥}، أي: لم يخافوا عاقبتها وتبعتها كما يخاف بعض المذنبين ويجوز أن يكون الضمير لثمود، ومعنى سواها بالأرض أو في الهلاك، ولا يخاف عقباها هلاكها، نسأل الله تعالى التوفيق والهداية والله الموفق.