حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

(4) باب حقيقة معرفة التوحيد

صفحة 163 - الجزء 1

(٤) باب حقيقة معرفة التوحيد

  اعلم أنه لما ثبت أن لهذا العالم صانعا [صنعه]، وأنه حيّ، قادر، قديم، عالم، سميع، بصير، وجب أن يكون واحدا؛ ولأنه لو كان معه إله غيره، أو آلهة (معه)⁣(⁣١) لجاءتنا كتبهم ورسلهم، ولتبيّن لنا صنعهم وعملهم، إذ لا يحكم بشيء لغير مدّع، فلما لم تصلنا الكتب والرّسل إلا لواحد علمنا أنه لا ربّ سواه ولا إله غيره.

  ودليل آخر: أنا لمّا رأينا هذا العالم على غاية من التّدبير، والصّنع المتقن والتّقدير، فرأينا شمسه وقمره ونجومه قد قدّرت على غاية من الصّلاح، ورأيناها لا يفترق مجتمعها، ولا يجتمع مفترقها، ولا تفاوت فيها ولا غيار؛ ورأينا الهواء⁣(⁣٢) وما نشاهد من السماء والأرض وما فيهما قد وضع كلّ شيء منها في موضعه، وأعدّ كل شيء منها لشأنه، قال اللّه تعالى: {ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ}⁣[الملك: ٣]، فعلمنا أن صانع هذا الصنع ومدبّره واحد، ولو كان معه غيره لم يخل من أن يريد أحدهما صنع شيء ويريد الآخر خلافه، كأن يريد أحدهما حياة زيد، ويريد الآخر موته،


(١) ساقط في (ض).

(٢) في (ض): فرأينا الهواء.